" ســـــــــيد قطب "( لماذا أعدموني 5؟ )
صفحة 1 من اصل 1
" ســـــــــيد قطب "( لماذا أعدموني 5؟ )
الإسلام نظام حياة كامل
علاقات أخرى في الداخل
ذكرت فيما سبق أهم علاقاتي بالإخوان الذين كانوا في السجون أو في خارجها بعد خروجي من السجن. وهي العلاقات التي دار فيها حديث عن الجماعة والحركة من قريب أو من بعيد.. ولا أتذكر الآن غير ما ذكرته إلا زيارة "محمد عبد العزيز عطية" لي هذا العام وأنا في رأس البر، مع واحد آخر اصله من دمياط ومقيم بالإسكندرية واسمه ".. مؤمن" ومعهما واحد من ليبيا لا أذكر اسمه ومن كلامه بدا أنه لا علاقة له بالحركة الإسلامية ولا حتى الاتجاه الإسلامي. وكان عندي ي وقت زيارتهم الأخ علي العشماوي هو وعروسه حيث كان يقضي بعد زواجه أياماً قليلة في رأس البر.
ثلاثة أيام على ما أتذكر .. وقد ذكر محمد عبد العزيز أنه بلغه أن السيد زكريا محيي الدين تكلم مع بعض الإخوان في دخول الإخوان الاتحاد الاشتراكي للوقوف في وجه التيار الشيوعي- أو كلاماً كهذا لا أتذكره بالضبط-كما بلغه أن السيد زكريا قد زار الأستاذ المرشد حسن الهضيبي للتحدث معه في هذا الشأن، أو في إعادة الجماعة بصورة ما لهذا الغرض. وقد قلت له: إنني استبعد هذه الإشاعة. وكل ما أعرفه أن السيد زكريا محيي الدين زار معسكر قادة الشباب الذي كان مقاماً في حلوان لعدة أسابيع على إثر ما حدث فيه من تذمر من الشباب بسبب أن معظم المحاضرات فيه ومعظم المحاضرين كانوا يتجهون اتجاهاً شيوعياً ويبثون الأفكار الماركسية تحت ستار الاشتراكية وبعضها يمس العقيدة الإسلامية بطريق غير مباشر. وأنه قال لهم: إن الدولة ليست شيوعية. وأية أفكار لا تعبر إلا عن أصحابها. وأنه تحدث مع الدكتور كمال أبو المجد وهو من بين الأساتذة المحاضرين يمثل الاتجاه الإسلامي، في أن ينشر الفكر الإسلامي داخل الاتحاد الاشتراكي. أو في كيفية تمثيل الفكر الإسلامي داخل الاتحاد الاشتراكي. أو في كيفية تمثيل الفكر الإسلامي داخل الاتحاد الاشتراكي. أو شيئاً من هذا القبيل.
وكان الذي نقل إلى هذا الخبر شاب من قريتي اسمه (.. الشاذلي) مدرس بمعهد المعلمين بأسيوط ومن بين فوج قادة الشباب الذي حضر معسكر حلوان. وكانت المناسبة التي نقل فيها هذا الحديث، أنه قد زارني بمناسبة وجوده في حلوان ومعه مجموعة المحاضرات التي ألقيت عليهم ودرسوها وناقشوها –أو معظمها- فلما عرفت منه أنها محاضرات المعسكر ألقيت عليها نظرة فلفت نظري فيها اللون الشيوعي الصارخ فيها- وإن كان الستار هو الاشتراكية – حتى أنهم لا يريدون أن يقولوا: "الاشتراكية العربية" عن التجربة القائمة في الجمهورية العربية، وإنما يسمونها: "التطبيق العربي الاشتراكي" ليجعلوا الأصل هو اشتراكية كارل ماركس، والموجود في مصر هو مجرد تطبيق لها محور بحسب الظروف الواقعة في الجمهورية العربية. فطلبت منه تركها لي وقتاً قصيراً لقراءتها وردها له وكان ذلك.
ولما أبديت له هذه الملاحظة – ملاحظة غلبة الطابع الشيوعي على المحاضرات-ذكر لي هو أن هذا فعلاً ما آثار تذمراً في وسط الطلاب، وأن السيد زكريا محيي حضر وقال كذا وكذا مما سبق ذكره.
ولكنه ذكر لي كذلك أن الشباب الذي تلقى هذه المحاضرات ولو أنه يتذمر حين تمس العقيدة الإسلامية مساً ظاهراً في أثناء المناقشات ولكنه خالي الذهن من الثقافة الإسلامية الحقيقية. ومن أجل هذا فإنه يتأثر في النهاية بهذه المحاضرات وتصبح الأفكار التي تقوم عليها هي قاعدة تفكيره مع بقاء الحماسة لعقيدته عندما تمس مساساً ظاهراً. مما ينشئ اضطراباً في تفكير هذا الشباب بين اتجاهه العاطفي وتكوينه الفكري.
وهي ملاحظة صحيحة وفي محلها. وخصوصاً إذا أضيف إلى هذه المعسكرات لقادة الشباب غلبة التوجيه الشيوعي والاتجاه الانحلالي الخلقي على ما ينشر في الصحف بوجه عام وخاصة مجلة الطليعة ومجلة الكاتب ومجلة روز اليوسف ومجلة صباح الخير مما يوجد جواً وبيئة فكرية لا يقف في وجهها التوجيه التقليدي الهزيل القليل الذي يتمثل فيه الفكر الإسلامي. ومما يجعل الكفتين غير متساويتين، ويجعل الغلبة الحقيقية للتوجيه المادي الإلحادي والتوجيه الانحلالي الأخلاقي.
وعن العلاقات والاتصالات خارج محيط الإخوان:
1- في أواخر سنة 1960 وكنت في ليمان طرة وقد ساءت حالتي الصحية ولم يعد العلاج في مستشفى الليمان نافعاً لقلة الإمكانيات العلاجية سمعت من إخواني أن بيت الحاج حسين صدقي في المعادي تعرفوا عليهم وهم مهتمون بأنباء صحتي وأنهم قراوا شيئاً عن كتبي وهم يريدون المساعدة في نقلي إلى أي مستشفى جامعي للعلاج.
ولم أتبين على وجه التحديد مبعث هذا الاهتمام من ناس ليست لنا بهم سابق معرفة. هل هو فعلاً قراءة بعض الكتب، أم لأن لهم علاقة بالحاجة زينب الغزالي التي عرفت أنها تساهم مساهمة فعالة في إعانة البيوت التي لم يعد لها مورد رزق وذلك حوالي هذا الوقت. أم لصلتهم كذلك بالشيخ الأودن. وقد عرفت فيما بعد أنه كان كثير الاهتمام بما يبلغه من سوء صحتي وأنني مشرف على الموت.. أم لهذه الأسباب كلها مجتمعة .. ولكن لم يتم شيء .. والذي حدث بعد هذا أن ساءت حالتي أكثر، وأن الهيئة الطبية لمصلحة السجون طلبت علاجي في مستشفى جامعي وأن الطبيب الشرعي في لجنة مع كبير أطباء المصلحة قرر هذا فنقلت إلى مستشفى المنيل الجامعي. حيث تبين من التشخيص أن الحالة الجديدة حالة ذبحة صدرية، ولم تكن اكتشفت في مستشفى السجن لقلة إمكانيات الفحص الطبي وعدم وجود الأخصائيين من الأطباء في حالات القلب. وذلك إلى حالة الرئتين والأمعاء وأمراض أخرى. وقد قضيت فترة ستة أشهر في مستشفى المنيل. ثم أعدت إلى مستشفى السجن. وفي العام التالي عادت الحالة إلى السوء ونقلت مرة أخرى إلى المنيل حيث قضيت ستة أشهر أخرى ثم أعدت إلى السجن. ولما ساءت الحالة مرة ثالثة صدرت عفو صحي وخرجت.
وقد جاء الحاج حسين صدقي وأهل بيته لزيارتي وتهنئتي .. وهنا ذكروا لي اهتمام الشيخ الأودن بأخبار صحتي، ووصفوه لي بأنه رجل تقي ورع زاهد من جيل الصحابة. ولم تكن لي به معرفة سابقة-وإنه هو مريض بانزلاق غضروفي فلا يملك الانتقال والحركة. لذلك تقرر أن أزوره أنا لأشكره على اهتمامه.
وفي هذه الأثناء كنت قد تعرفت الحاجة زينب الغزالي حيث التقيت بها لأول مرة في بيت الحاج حسين صدقي على الغداء. ثم في بيتها كذلك للغداء بمناسبة خروجي .. ثم تمت أول زيارة لي للشيخ الأودن مع الحاج حسين صدقي وأهل بيته والحاجة زينب الغزالي وأظن كان معي كذلك أخي محمد قطب.. وقد ذهبنا في عربة الحاج حسين.
وأتذكر أنني زرت الشيخ بعد ذلك مرتين أو ثلاثاً، مرة فيها كان معي محمد ومرة كنت بمفردي. وفي المرة التي كان معي محمد فيها كان يزوره شخص آخر لم يعرفنا به. وحضر الدكتور مظهر عاشور للكشف عليه ثم انصرف.
وفي المرة التي زرته فيها منفرداً كان يتحسر على شباب البلد وانصرافه عن دينه وانحلاله الخلقي. فقلت له أطمئنه: إن هناك بقية صالحة من الشباب المتدين العامل لدينه المستمسك بأخلاقه وأنها بقية تبشر بالخير-وكنت أشير إلى المجموعة التي اشتغل معها دون تصريح له بطبيعتها- فاستوثق مني من وجود هذه البقية فعلاً، فأكدت له ما ذكرته. فسأل وأنت على اتصال بهذه البقية الصالحة. فقلت له: نعم. وأنا أوجهها وهي تقبل توجيهاتي. فقال: الله يبشرك بالخير طمنتني. ودعا لي بالتوفيق.
وكان الحديث هكذا مجملاً لا يتعدى الإشارة إلى وجود بقية صالحة. وكان في أثناء الحديث قد قال: أنا قلت للشيخ حسن (يقصد الشهيد حسن البنا) بلاش تدخلوا في المشاكل السياسية وكفاية تربوا للبلد جيل من الباب المسلم. لكن الحوادث جرفته. نهايته. الله. وأهو كانت النتيجة ضرب الإخوان. وانتشار الانحلال. وانصراف الشباب عن دينه وأخلاقه. وهنا قلت له ما قلت عن وجود بقية صالحة متمسكة عاملة.. بالإجمال الذي ذكرته.
علاقات متفرقة
وفي خلال الأشهر الثمانية التي قضيتها في القاهرة بين خروجي من السجن واعتقالي مرة أخرى- إذ أنني قضيت ستة أشهر أخرى في العام الماضي وفي هذا العام في مصيف رأس البر هرباً من الحر الذي كان يجدد لي أزمة القلب والصدر باستمرار – زارني أفواج كثيرة من الناس، بعضهم من معارفي القدامى الذين لا علاقة لهم بالحركات الإسلامية، ولكن ربطت بيني وبينهم إما صلات أدبية وفكرية أو شخصية ومعظمهم من الشباب الذي قرأ كتبي إما من البلاد العربية والإسلامية عامة، وإما من المصريين، وكلهم ممن لم يسبق لي التعرف إليهم من قبل سجني. لأن غالبيتهم من الشباب الحديث السن بين العشرين والثلاثين ممن كانوا قبل سجني فتية صغاراً لا علاقة لي بهم.
وكانت زياراتهم تنقضي في إثارة مسائل مما قرأوه في كتبي أو في كتب غيري أو تتعلق بالأحداث الجارية في المنطقة، حيث تدور فيها كلها أحاديث مفتوحة غير مقصورة على أحد دون أحد. ويشارك فيها من يحضرون المجلس بدون قيد. وبعضهم يخرج وبعضهم يبقى ويحضر إليه زائرون جدد.. وهكذا..
وكان التعريف بالأسماء في مثل هذه الزيارات المختلطة عابراً وليس محل اهتمام في زيارات الغرض منها – من ناحيتهم التعرف إلى رجل سمعوا عنه أو قرأوا له ومناقشته في أفكاره والاستزادة منها والغرض منها من ناحيتي التعرف إلى تفكير هذا الجيل من الشباب الذي لم ألتق به من قبل ثم شرح بعض أفكاري له بقدر ما تسمح طبيعة مجالس مشتركة غير منتظمة في زيارات مفتوحة لكل من أراد.
وإن كان هذا لا يمنع أن أستشعر من بعضهم صدق الرغبة والنية في خدمة دينه والإخلاص في السؤال للمعرفة والتأهل للإسلام الصحيح ولكن المسألة لم تتعد هذا الحد: معرفة بالشخصيات دون احتفاظ بالأسماء .. وبخاصة أن ذاكرتي بطبيعتها حتى قبل المرض والتعب لا تمسك بالأسماء وهو أمر معروف عني بين أصدقائي اكتفاء بأني أحفظ شكل الوجوه والشخصيات- مع الأمل في أن بعض هذه الشخصيات خامة صالحة للتربية والتكوين والانضمام إلى صفوف العاملين فيما بعد. ولكني كنت مشغولاً بالتنظيم الذي وجد فعلاً، وغير راغب في ضم أحد إليه حتى يتم تكوينه على المستوى الذي أريده. ولا حتى من شباب الإخوان الموجود بالفعل- بل وإني كثيراً ما قلت لرؤساء هذا التنظيم: أنهم تعجلوا بالتنظيم كما تعجلوا في ضم عدد كبير إليه لا تمكن تربيتهم. ولم هو بهذه السعة والكثرة! والأمر في نظري كان يجب أن يبدأ بآحاد وأفراد. هذه هي الصورة العامة لعلاقاتي بهذا الشباب الذي كان يتدافع إلى زيارتي أفواجاً كثيرة في هذه الفترة. سواء منهم المصريون وغير المصريين. صورة ليس فيها تركيز على أسماء ولا على أشخاص إلا في حدود النية للمستقبل مع المشغولية عنهم في هذه الفترة بما لدي من تنظيم لم يتم إعداده كما أريد، ولا أريد أن أزيد عدده، ولو استطعت لأنقصت منه. وذلك غير حالتي الصحية التي تجعل جهدي محدوداً لا أحب أن أبعثره مع ناس جدد إلا في تلك الحدود العابرة. وغير انشغالي بما أريد كتابته من كتب والتحضير له وقراءة المراجع اللازمة.
ولكي تكون الصورة كاملة تماماً، فإن معظم من كانوا يحضرون كان يحضرون إما اثنين أو ثلاثة أو أربعة. وسواء في ذلك المصريون وغيرهم. وكنت أفهم من أحاديثهم أنهم يقرأون معاً، أو يتبادلون الكتب. أعني أن كلاً منهم يتبادل أفكاره مع واحد أو أكثر كزملاء.
ولكن لم يحدث أنني زدت على ما أسمعه منهم شيئاً في ذاك السبيل لم اشر على أحد منهم بتجمع ولا تنظيم. كان كل موقفي هو الملاحظة على من يصلح من هؤلاء في المستقبل أن ينضم للصف العامل بدون زيادة ونظراً لقصر الوقت، وكثرة المشاغل، وكثرة الزبائن، لم تزد الصورة شيئاً على هذا الذي ذكرته.
وأحب أن تكون هذه الصورة واضحة ومفهومة ومتصورة على حقيقتها. وإذا كنت قد قلت – كما جاء في أقوال الأخ علي العشماوي-إنني أحتفظ بأفراد أو مجموعات متناثرة لا أضمها للتنظيم – فقد كان هذا هو الذي قصدته، وألا يفسر بغير حقيقته الواقعة. إنني أحتفظ بهم كمجرد ملاحظة لهم ولاستعدادهم أن يكونوا في الصف في المستقبل وذلك استنتاجاً من أحاديثهم وأسئلتهم وما قرأوه وما فهموه وما يبدو في حديثهم مع جدية وإخلاص واستعداد. واعتماداً على أنهم يتصلون بي هذه الصلة.
علاقات أخرى في الداخل
ذكرت فيما سبق أهم علاقاتي بالإخوان الذين كانوا في السجون أو في خارجها بعد خروجي من السجن. وهي العلاقات التي دار فيها حديث عن الجماعة والحركة من قريب أو من بعيد.. ولا أتذكر الآن غير ما ذكرته إلا زيارة "محمد عبد العزيز عطية" لي هذا العام وأنا في رأس البر، مع واحد آخر اصله من دمياط ومقيم بالإسكندرية واسمه ".. مؤمن" ومعهما واحد من ليبيا لا أذكر اسمه ومن كلامه بدا أنه لا علاقة له بالحركة الإسلامية ولا حتى الاتجاه الإسلامي. وكان عندي ي وقت زيارتهم الأخ علي العشماوي هو وعروسه حيث كان يقضي بعد زواجه أياماً قليلة في رأس البر.
ثلاثة أيام على ما أتذكر .. وقد ذكر محمد عبد العزيز أنه بلغه أن السيد زكريا محيي الدين تكلم مع بعض الإخوان في دخول الإخوان الاتحاد الاشتراكي للوقوف في وجه التيار الشيوعي- أو كلاماً كهذا لا أتذكره بالضبط-كما بلغه أن السيد زكريا قد زار الأستاذ المرشد حسن الهضيبي للتحدث معه في هذا الشأن، أو في إعادة الجماعة بصورة ما لهذا الغرض. وقد قلت له: إنني استبعد هذه الإشاعة. وكل ما أعرفه أن السيد زكريا محيي الدين زار معسكر قادة الشباب الذي كان مقاماً في حلوان لعدة أسابيع على إثر ما حدث فيه من تذمر من الشباب بسبب أن معظم المحاضرات فيه ومعظم المحاضرين كانوا يتجهون اتجاهاً شيوعياً ويبثون الأفكار الماركسية تحت ستار الاشتراكية وبعضها يمس العقيدة الإسلامية بطريق غير مباشر. وأنه قال لهم: إن الدولة ليست شيوعية. وأية أفكار لا تعبر إلا عن أصحابها. وأنه تحدث مع الدكتور كمال أبو المجد وهو من بين الأساتذة المحاضرين يمثل الاتجاه الإسلامي، في أن ينشر الفكر الإسلامي داخل الاتحاد الاشتراكي. أو في كيفية تمثيل الفكر الإسلامي داخل الاتحاد الاشتراكي. أو في كيفية تمثيل الفكر الإسلامي داخل الاتحاد الاشتراكي. أو شيئاً من هذا القبيل.
وكان الذي نقل إلى هذا الخبر شاب من قريتي اسمه (.. الشاذلي) مدرس بمعهد المعلمين بأسيوط ومن بين فوج قادة الشباب الذي حضر معسكر حلوان. وكانت المناسبة التي نقل فيها هذا الحديث، أنه قد زارني بمناسبة وجوده في حلوان ومعه مجموعة المحاضرات التي ألقيت عليهم ودرسوها وناقشوها –أو معظمها- فلما عرفت منه أنها محاضرات المعسكر ألقيت عليها نظرة فلفت نظري فيها اللون الشيوعي الصارخ فيها- وإن كان الستار هو الاشتراكية – حتى أنهم لا يريدون أن يقولوا: "الاشتراكية العربية" عن التجربة القائمة في الجمهورية العربية، وإنما يسمونها: "التطبيق العربي الاشتراكي" ليجعلوا الأصل هو اشتراكية كارل ماركس، والموجود في مصر هو مجرد تطبيق لها محور بحسب الظروف الواقعة في الجمهورية العربية. فطلبت منه تركها لي وقتاً قصيراً لقراءتها وردها له وكان ذلك.
ولما أبديت له هذه الملاحظة – ملاحظة غلبة الطابع الشيوعي على المحاضرات-ذكر لي هو أن هذا فعلاً ما آثار تذمراً في وسط الطلاب، وأن السيد زكريا محيي حضر وقال كذا وكذا مما سبق ذكره.
ولكنه ذكر لي كذلك أن الشباب الذي تلقى هذه المحاضرات ولو أنه يتذمر حين تمس العقيدة الإسلامية مساً ظاهراً في أثناء المناقشات ولكنه خالي الذهن من الثقافة الإسلامية الحقيقية. ومن أجل هذا فإنه يتأثر في النهاية بهذه المحاضرات وتصبح الأفكار التي تقوم عليها هي قاعدة تفكيره مع بقاء الحماسة لعقيدته عندما تمس مساساً ظاهراً. مما ينشئ اضطراباً في تفكير هذا الشباب بين اتجاهه العاطفي وتكوينه الفكري.
وهي ملاحظة صحيحة وفي محلها. وخصوصاً إذا أضيف إلى هذه المعسكرات لقادة الشباب غلبة التوجيه الشيوعي والاتجاه الانحلالي الخلقي على ما ينشر في الصحف بوجه عام وخاصة مجلة الطليعة ومجلة الكاتب ومجلة روز اليوسف ومجلة صباح الخير مما يوجد جواً وبيئة فكرية لا يقف في وجهها التوجيه التقليدي الهزيل القليل الذي يتمثل فيه الفكر الإسلامي. ومما يجعل الكفتين غير متساويتين، ويجعل الغلبة الحقيقية للتوجيه المادي الإلحادي والتوجيه الانحلالي الأخلاقي.
وعن العلاقات والاتصالات خارج محيط الإخوان:
1- في أواخر سنة 1960 وكنت في ليمان طرة وقد ساءت حالتي الصحية ولم يعد العلاج في مستشفى الليمان نافعاً لقلة الإمكانيات العلاجية سمعت من إخواني أن بيت الحاج حسين صدقي في المعادي تعرفوا عليهم وهم مهتمون بأنباء صحتي وأنهم قراوا شيئاً عن كتبي وهم يريدون المساعدة في نقلي إلى أي مستشفى جامعي للعلاج.
ولم أتبين على وجه التحديد مبعث هذا الاهتمام من ناس ليست لنا بهم سابق معرفة. هل هو فعلاً قراءة بعض الكتب، أم لأن لهم علاقة بالحاجة زينب الغزالي التي عرفت أنها تساهم مساهمة فعالة في إعانة البيوت التي لم يعد لها مورد رزق وذلك حوالي هذا الوقت. أم لصلتهم كذلك بالشيخ الأودن. وقد عرفت فيما بعد أنه كان كثير الاهتمام بما يبلغه من سوء صحتي وأنني مشرف على الموت.. أم لهذه الأسباب كلها مجتمعة .. ولكن لم يتم شيء .. والذي حدث بعد هذا أن ساءت حالتي أكثر، وأن الهيئة الطبية لمصلحة السجون طلبت علاجي في مستشفى جامعي وأن الطبيب الشرعي في لجنة مع كبير أطباء المصلحة قرر هذا فنقلت إلى مستشفى المنيل الجامعي. حيث تبين من التشخيص أن الحالة الجديدة حالة ذبحة صدرية، ولم تكن اكتشفت في مستشفى السجن لقلة إمكانيات الفحص الطبي وعدم وجود الأخصائيين من الأطباء في حالات القلب. وذلك إلى حالة الرئتين والأمعاء وأمراض أخرى. وقد قضيت فترة ستة أشهر في مستشفى المنيل. ثم أعدت إلى مستشفى السجن. وفي العام التالي عادت الحالة إلى السوء ونقلت مرة أخرى إلى المنيل حيث قضيت ستة أشهر أخرى ثم أعدت إلى السجن. ولما ساءت الحالة مرة ثالثة صدرت عفو صحي وخرجت.
وقد جاء الحاج حسين صدقي وأهل بيته لزيارتي وتهنئتي .. وهنا ذكروا لي اهتمام الشيخ الأودن بأخبار صحتي، ووصفوه لي بأنه رجل تقي ورع زاهد من جيل الصحابة. ولم تكن لي به معرفة سابقة-وإنه هو مريض بانزلاق غضروفي فلا يملك الانتقال والحركة. لذلك تقرر أن أزوره أنا لأشكره على اهتمامه.
وفي هذه الأثناء كنت قد تعرفت الحاجة زينب الغزالي حيث التقيت بها لأول مرة في بيت الحاج حسين صدقي على الغداء. ثم في بيتها كذلك للغداء بمناسبة خروجي .. ثم تمت أول زيارة لي للشيخ الأودن مع الحاج حسين صدقي وأهل بيته والحاجة زينب الغزالي وأظن كان معي كذلك أخي محمد قطب.. وقد ذهبنا في عربة الحاج حسين.
وأتذكر أنني زرت الشيخ بعد ذلك مرتين أو ثلاثاً، مرة فيها كان معي محمد ومرة كنت بمفردي. وفي المرة التي كان معي محمد فيها كان يزوره شخص آخر لم يعرفنا به. وحضر الدكتور مظهر عاشور للكشف عليه ثم انصرف.
وفي المرة التي زرته فيها منفرداً كان يتحسر على شباب البلد وانصرافه عن دينه وانحلاله الخلقي. فقلت له أطمئنه: إن هناك بقية صالحة من الشباب المتدين العامل لدينه المستمسك بأخلاقه وأنها بقية تبشر بالخير-وكنت أشير إلى المجموعة التي اشتغل معها دون تصريح له بطبيعتها- فاستوثق مني من وجود هذه البقية فعلاً، فأكدت له ما ذكرته. فسأل وأنت على اتصال بهذه البقية الصالحة. فقلت له: نعم. وأنا أوجهها وهي تقبل توجيهاتي. فقال: الله يبشرك بالخير طمنتني. ودعا لي بالتوفيق.
وكان الحديث هكذا مجملاً لا يتعدى الإشارة إلى وجود بقية صالحة. وكان في أثناء الحديث قد قال: أنا قلت للشيخ حسن (يقصد الشهيد حسن البنا) بلاش تدخلوا في المشاكل السياسية وكفاية تربوا للبلد جيل من الباب المسلم. لكن الحوادث جرفته. نهايته. الله. وأهو كانت النتيجة ضرب الإخوان. وانتشار الانحلال. وانصراف الشباب عن دينه وأخلاقه. وهنا قلت له ما قلت عن وجود بقية صالحة متمسكة عاملة.. بالإجمال الذي ذكرته.
علاقات متفرقة
وفي خلال الأشهر الثمانية التي قضيتها في القاهرة بين خروجي من السجن واعتقالي مرة أخرى- إذ أنني قضيت ستة أشهر أخرى في العام الماضي وفي هذا العام في مصيف رأس البر هرباً من الحر الذي كان يجدد لي أزمة القلب والصدر باستمرار – زارني أفواج كثيرة من الناس، بعضهم من معارفي القدامى الذين لا علاقة لهم بالحركات الإسلامية، ولكن ربطت بيني وبينهم إما صلات أدبية وفكرية أو شخصية ومعظمهم من الشباب الذي قرأ كتبي إما من البلاد العربية والإسلامية عامة، وإما من المصريين، وكلهم ممن لم يسبق لي التعرف إليهم من قبل سجني. لأن غالبيتهم من الشباب الحديث السن بين العشرين والثلاثين ممن كانوا قبل سجني فتية صغاراً لا علاقة لي بهم.
وكانت زياراتهم تنقضي في إثارة مسائل مما قرأوه في كتبي أو في كتب غيري أو تتعلق بالأحداث الجارية في المنطقة، حيث تدور فيها كلها أحاديث مفتوحة غير مقصورة على أحد دون أحد. ويشارك فيها من يحضرون المجلس بدون قيد. وبعضهم يخرج وبعضهم يبقى ويحضر إليه زائرون جدد.. وهكذا..
وكان التعريف بالأسماء في مثل هذه الزيارات المختلطة عابراً وليس محل اهتمام في زيارات الغرض منها – من ناحيتهم التعرف إلى رجل سمعوا عنه أو قرأوا له ومناقشته في أفكاره والاستزادة منها والغرض منها من ناحيتي التعرف إلى تفكير هذا الجيل من الشباب الذي لم ألتق به من قبل ثم شرح بعض أفكاري له بقدر ما تسمح طبيعة مجالس مشتركة غير منتظمة في زيارات مفتوحة لكل من أراد.
وإن كان هذا لا يمنع أن أستشعر من بعضهم صدق الرغبة والنية في خدمة دينه والإخلاص في السؤال للمعرفة والتأهل للإسلام الصحيح ولكن المسألة لم تتعد هذا الحد: معرفة بالشخصيات دون احتفاظ بالأسماء .. وبخاصة أن ذاكرتي بطبيعتها حتى قبل المرض والتعب لا تمسك بالأسماء وهو أمر معروف عني بين أصدقائي اكتفاء بأني أحفظ شكل الوجوه والشخصيات- مع الأمل في أن بعض هذه الشخصيات خامة صالحة للتربية والتكوين والانضمام إلى صفوف العاملين فيما بعد. ولكني كنت مشغولاً بالتنظيم الذي وجد فعلاً، وغير راغب في ضم أحد إليه حتى يتم تكوينه على المستوى الذي أريده. ولا حتى من شباب الإخوان الموجود بالفعل- بل وإني كثيراً ما قلت لرؤساء هذا التنظيم: أنهم تعجلوا بالتنظيم كما تعجلوا في ضم عدد كبير إليه لا تمكن تربيتهم. ولم هو بهذه السعة والكثرة! والأمر في نظري كان يجب أن يبدأ بآحاد وأفراد. هذه هي الصورة العامة لعلاقاتي بهذا الشباب الذي كان يتدافع إلى زيارتي أفواجاً كثيرة في هذه الفترة. سواء منهم المصريون وغير المصريين. صورة ليس فيها تركيز على أسماء ولا على أشخاص إلا في حدود النية للمستقبل مع المشغولية عنهم في هذه الفترة بما لدي من تنظيم لم يتم إعداده كما أريد، ولا أريد أن أزيد عدده، ولو استطعت لأنقصت منه. وذلك غير حالتي الصحية التي تجعل جهدي محدوداً لا أحب أن أبعثره مع ناس جدد إلا في تلك الحدود العابرة. وغير انشغالي بما أريد كتابته من كتب والتحضير له وقراءة المراجع اللازمة.
ولكي تكون الصورة كاملة تماماً، فإن معظم من كانوا يحضرون كان يحضرون إما اثنين أو ثلاثة أو أربعة. وسواء في ذلك المصريون وغيرهم. وكنت أفهم من أحاديثهم أنهم يقرأون معاً، أو يتبادلون الكتب. أعني أن كلاً منهم يتبادل أفكاره مع واحد أو أكثر كزملاء.
ولكن لم يحدث أنني زدت على ما أسمعه منهم شيئاً في ذاك السبيل لم اشر على أحد منهم بتجمع ولا تنظيم. كان كل موقفي هو الملاحظة على من يصلح من هؤلاء في المستقبل أن ينضم للصف العامل بدون زيادة ونظراً لقصر الوقت، وكثرة المشاغل، وكثرة الزبائن، لم تزد الصورة شيئاً على هذا الذي ذكرته.
وأحب أن تكون هذه الصورة واضحة ومفهومة ومتصورة على حقيقتها. وإذا كنت قد قلت – كما جاء في أقوال الأخ علي العشماوي-إنني أحتفظ بأفراد أو مجموعات متناثرة لا أضمها للتنظيم – فقد كان هذا هو الذي قصدته، وألا يفسر بغير حقيقته الواقعة. إنني أحتفظ بهم كمجرد ملاحظة لهم ولاستعدادهم أن يكونوا في الصف في المستقبل وذلك استنتاجاً من أحاديثهم وأسئلتهم وما قرأوه وما فهموه وما يبدو في حديثهم مع جدية وإخلاص واستعداد. واعتماداً على أنهم يتصلون بي هذه الصلة.
مواضيع مماثلة
» " ســـــــــيد قطب "( لماذا أعدموني ؟ )
» " ســـــــــيد قطب "( لماذا أعدموني 2 ؟ )
» " ســـــــــيد قطب "( لماذا أعدموني 3 ؟ )
» " ســـــــــيد قطب "( لماذا أعدموني 4 ؟ )
» لماذا عرف بنو العروس بالدفافعة ؟
» " ســـــــــيد قطب "( لماذا أعدموني 2 ؟ )
» " ســـــــــيد قطب "( لماذا أعدموني 3 ؟ )
» " ســـــــــيد قطب "( لماذا أعدموني 4 ؟ )
» لماذا عرف بنو العروس بالدفافعة ؟
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى