" ســـــــــيد قطب "( لماذا أعدموني 3 ؟ )
صفحة 1 من اصل 1
" ســـــــــيد قطب "( لماذا أعدموني 3 ؟ )
كنا قد اتفقنا على استبعاد استخدام القوة كوسيلة لتغيير نظام الحكم أو إقامة النظام الإسلامي وفي الوقت نفسه قررنا استخدامها في حالة الاعتداء على هذا التنظيم الذي سيسير على منهج تعليم العقيدة وتربية الخلق وإنشاء قاعدة للإسلام في المجتمع. وكان معنى ذلك البحث في موضوع تدريب المجموعات التي تقوم برد الاعتداء وحماية التنظيم منه، وموضوع الأسلحة اللازمة لهذا الغرض، وموضوع المال اللازم كذلك.
فأما التدريب فقد عرفت أنه موجود فعلاً من قبل أن يلتقوا بي، ولكن لم يكن ملحوظاً فيه أن لا يتدرب إلا الأخ الذي فهم عقيدته ونضج وعيه، فطلبت منهم مراعاة هذه القاعدة، وبهذه المناسبة سألتهم عن العدد الذي تتوافر فيه هذه الشروط عندهم وبعد مراجعة بينهم ذكروا لي أنهم حوالي السبعين، وتقرر الإٍسراع في تدريبهم نظراً لما كانوا يرونه من أن الملل يتسرب إلى نفوس الشباب إذا ظل كل زادهم هو الكلام من غير تدريب وإعداد.. ثم تجدد سبب آخر فيما بعد عندما بدأت الإشاعات ثم الاعتقالات بالفعل لبعض الأخوان .. وأما السلاح فكان موضوعه له جانبان:
الأول: أنهم أخبروني-ومجدي هو الذي كان يتولى الشرح في هذا الموضوع-أنه نظراً لصعوبة الحصول على ما يلزم منه حتى للتدريب فقد أخذوا في محاولات لصنع بعض المتفجرات محلياً، وأن التجارب نجحت وصنعت بعض القنابل فعلاً، ولكنها في حاجة إلى التحسين والتجارب مستمرة...
والثاني: أن علي عشماوي زارني على غير ميعاد وأخبرني أنه كان منذ حوالي سنتين قبل التقائنا قد طلب من أخ في دولة عربية قطعاً من الأسلحة، حددها له في كشف، ثم ترك الموضوع من وقتها، والآن جاءه خبر منه أن هذه الأسلحة سترسل – وهي كميات كبيرة حوالي عربية نقل، وأنها سترسل عن طريق السودان مع توقع وصولها في خلال شهرين .. وكان هذا قبل الاعتقالات بمدة ولم يكن في الجو ما ينذر بخطر قريب .. ولما كان الخبر مفاجئاً فلم يكن ممكناً البت في شأنه حتى نبحثه مع الباقين، فاتفقنا على موعد لبحثه معهم .. وفي اليوم التالي – على ما أتذكر- وقبل الموعد جاءني الشيخ عبد الفتاح إسماعيل وحدثني في هذا الأمر وفهمت أنه عرفه طبعاً من علي وكان يبدو غير موافق عليه ومتخوفاً منه، وقال: لابد من تأجيل البث في الموضوع حتى يحضر صبري، وقلت له: إننا سنجتمع لبحثه.
وفي الموعد الأول –على ما أتذكر لم يحضر صبري- لذلك لم يتم تقرير شيء في الأمر، وفي موعد آخر كان الخمسة عندي وتقرر تكليف علي بوقف إرسال الأسلحة من هناك حتى يتم الاستعلام من مصدرها عن مصدر النقود التي اشتريت بها، فإن كان من غير الإخوان ترفض، والاستفهام كذلك عن طريق شرائها دفعة واحدة أو مجزأة وطريقة إرسالها، وضمانات أنها مكشوفة أم لا؟ وبعد ذلك يقال للأخ المرسل ألا يرسلها حتى يخطره بإرسالها..
ومضى أكثر من شهر – على ما أتذكر – حتى وصل للأخ علي رد مضمونه الباقي في ذاكرتي: أن هذه الأسلحة بأموال إخوانية من خاصة مالهم، وأنهم دفعوا فيها ما هم في حاجة إليه لحياتهم تلبية للرغبة التي سبق إبداؤها من هنا وأنها اشتريت وشحنت بوسائل مأمونة..
ولا أتذكر إن كان هذا الرد أو رد تال جاء بعده قد تضمن أن الشحنة أرسلت فعلاً ولا يمكن وقف وصولها وأنهم يفكرون في طريق ليبيا إلى جانب طريق السودان أو لأنه قد يكون أيسر من طريق السودان (لا أتذكر النص بالضبط) والأرجح أنه رد واحد. وعند ذكر ليبيا قلت: أنهم إذا فكروا في طريق ليبيا فإن أعرف من يستطيعون مساعدتنا في نقل مثل هذه الأشياء.. وكنت أفكر وقتها في اثنين من إخوان ليبيا عرفتهما بعد خروجي من السجن: أحدهما (الطيب الشين) وكان يدرس في مركز التعليم الأساسي بسرس الليان وله علاقة بسائقي عربات النقل بخط الصحراء بين ليبيا ومصر، والآخر (المبروك) ولا أذكر إن كان اسمه الأول (محمد) أم لا لأني أعرفه باسم واحد .. وكان في مناسبة ذكر لي أن بعض أقاربه يشتغلون بالقوافل بين مصر وليبيا .. ولم أستوضحه وقتها عن القوافل لأنه كان كلاماً عابراً بخصوص ما إذا كان يلزمني أي شيء ليس موجوداً في مصر ويمكن الحصول عليه من ليبيا أو من الخارج وقوله لي أن أطلب أي شيء فنقله مأمون تماماً لأن أقاربه في القوافل .. كذلك لا أعرف بالضبط نوع التجارة التي يزاولها هو ويحضر من أجلها إلى مصر .. إلا أنه في مرة قال لي: أنه يستورد من الإسكندرية البرانس التي تلبس في المغرب وتصنع هنا في مصر وليس في المغرب .. ومرة قال لي أنه معه شحنة كتب .. ولكني غير متأكد من نوع التجارة التي يزاولها.
وأما مسألة المال فقد جاء ذكرها مرات في اجتماعاتنا أو في أحاديثهم متفرقين معي، وعرفت أن لدى الشيخ عبد الفتاح مبالغاً ولكنه كان يقول لهم دائماً: أنه هو مؤتمن عليه وهو وديعة عنده لينفق في أغراض معينة ولذلك فهو لا يملك أن ينفق منه في إعانات البيوت مثلاً ولا يملك التصرف في شيء إلا بإذنه .. وقد قال لي الشيخ عبد الفتاح مثل هذا الكلام، ولكن لما عرضت مسألة الإنفاق على الصناعة المحلية للمتفجرات وعلى الإنفاق لتسلم شحنة الأسلحة التي أرسلت بعدما تبين أنه لا يمكن وقفها ولا يمكن تركها كذلك قال أن أي مبلغ تحت تصرفكم. واستأذنني في هذا فأذنت له، وفهمت أنه كان يعتبر المبلغ أمانة لا يتصرف فيه إلا بإذن قيادة شرعية. ولكني لم أعلم بالضبط مصدر هذا المبلغ ولا مقداره .. كل ما كان واضحاً أنه من إخوان في الخارج وليس من أية جهة أخرى.. فهذا ما كنت أحب أن أتأكد منه في علاقاتهم السابقة لأني كما قلت لهم لا أجيز للحركة الإسلامية أن تستعين بأجنبي عنها لا في مال ولا في سلاح ولا في حركة .. كذلك لم أعرف بالضبط مقداره ولكني أستنتج أنه أكثر من ألف جنيه .. فقد جاء ذلك في كلمات عرضية .. وكان الشيخ عبد الفتاح يقول كذلك، أنه في مكان أمين .. ولم أكن أستوضحه عن هذه التفصيلات .. لأنني كنت أكتفي بأقل قدر منها .. وكذلك كل أعمالهم التنفيذية فقد كان يكفي منها عنده ما يتعلق بالخطة العامة.. أما التفصيلات فكانت متروكة لهم لأنهم أخبر بها مني .. ولكن تبعتها بالطبع تقع علي لأن الخطة العامة كانت تتم بموافقتي .. كذلك جاءنا مبلغ مئتي جنيه من إخوان العراق سلمتها للأخ على فور تسلمها، وكان حاضراً لتكون في عهدتهم وتحت تصرفهم .. وسيجيء تفصيل علاقتنا بإخوان العراق في موضعه فيما بعد..
خطة رد الاعتداء
على الحركة الإسلامية
كما تقدم كنا قد اتفقنا على مبدأ عدم استخدام القوة لقلب نظام الحكم، وفرض النظام الإسلامي من أعلى، واتفقنا في الوقت ذاته على مبدأ رد الاعتداء على الحركة الإسلامية التي هي منهجها إذا وقع الاعتداء عليها بالقوة.
وكان أمامنا المبدأ الذي يقرره الله سبحانه: "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم" وكان الاعتداء قد وقع علينا بالفعل في سنة 1954 وفي سنة 1957 بالاعتقال والتعذيب وإهدار كل كرامة آدمية في أثناء التعذيب ثم بالقتل والتعذيب وإهدار كل كرامة آدمية في أثناء التعذيب ثم بالقتل وتخريب البيوت وتشريد الأطفال والنساء. ولكننا كنا قررنا أن هذا الماضي قد انتهى أمره فلا تفكر في رد الاعتداء الذي وقع علينا فيه، إنما المسألة هي مسألة الاعتداء علينا الآن. وهذا هو الذي تقرر الرد عليه إذا وقع .. وفي الوقت نفسه لم نكن نملك أن نرد بالمثل لأن الإسلام ذاته لا يبيح لمسلم أن يعذب أحداً، ولا أن يهدر كرامة الآدمية ولا أن يترك أطفاله ونساءه بالجوع، وحتى الذين تقام عليهم الحدود في الإسلام ويموتون تتكفل الدولة بنسائهم وأطفالهم، فلم يكن في أيدينا من وسائل رد الاعتداء التي يبيحها لنا ديننا إلا القتال والقتل: أولاً لرد الاعتداء حتى لا يصبح الاعتداء على الحركة الإسلامية وأهلها سهلاً يزاوله المعتدون في كل وقت. وثانياً لمحاولة إنقاذ وإفلات أكبر عدد ممكن من الشباب المسلم النظيف المتماسك الأخلاق في جيل كله إباحية وكله انحلال وكله انحراف في التعامل والسلوك كما هو دائر على السنة الناس وشائع لا يحتاج إلى كلام.
لهذه الأسباب مجتمعة فكرنا في خطة ووسيلة ترد الاعتداء .. والذي قلته لهم ليفكروا في الخطة والوسيلة باعتبار أنهم هم الذين سيقومون بها بما في أيديهم من إمكانيات لا أملك أنا معرفتها بالضبط ولا تحديدها.. الذي قلته لهم: إننا إذا قمنا برد الاعتداء عند وقوعه فيجب أن يكون ذلك في ضربه راجعة توفق الاعتداء وتكفل سلامة أكبر عدد من الشباب المسلم.
ووفقاً لهذا جاءوا في اللقاء التالي ومع أحمد عبد المجيد قائمة باقتراحات تتناول الأعمال التي تكفي لشل الجهاز الحكومي عن متابعة الأخوان في حالة ما إذا وقع الاعتداء عليهم كما وقع في المرات السابقة لأي سبب إما بتدبير حادث كحادث المنشية الذي كنا نعلم أن الأخوان لم يدبروه أو مذبحة طرة التي كنا على يقين أنها دبرت للأخوان تدبيراً، أو لأية أسباب أخرى تجهلها الدولة أو تدس عليها وتجيء نتيجة مؤامرة أجنبية أو محلية .. وهذه الأعمال هي الرد فور وقوع اعتقالات لأعضاء التنظيم بإزالة رؤوس في مقدمتها رئيس الجمهورية ورئيس الوزارة ومدير مكتب المشير ومدير المخابرات ومدير البوليس الحربي، ثم نسف لبعض المنشآت التي تشل حركة مواصلات القاهرة لضمان عدم تتبع بقية الإخوان فيها وفي خارجها كمحطة الكهرباء والكباري، وقد استبعدت فيما بعد نسف الكباري كما سيجيء.
وقلت له: إن هذا إذا أمكن يكون كافياً كضربة رادعة رد على الاعتداء على الحركة وهو الاعتداء الذي يتمثل في الاعتقال والتعذيب والقتل والتشريد كما حدث من قبل- ولكن ما هي الإمكانيات العملية عندكم للتنفيذ ..
وظهر من كلامهم أنه ليس لديهم الإمكانيات اللازمة، وأن بعض الشخصيات كرئيس الجمهورية ورئيس الوزارة –فيما يذكر- وربما غيرهما كذلك عليهم حراسة قوية لا تجعل التنفيذ ممكناً، فضلاً على أن ما لديهم من الرجال المدربين والأسلحة اللازمة غير كاف لمثل هذه العمليات .. وبناء على ذلك اتفق على الإسراع في التدريب بعدما كنت من قبل أرى تأجيله ولا أتحمس له باعتباره الخطوة الأخيرة في خط الحركة وليس الخطوة الأولى .. ذلك أنه كانت هناك نذر متعددة توحي بأن هناك ضربة للإخوان متوقعة، والضربة كما جربنا معناها التعذيب والقتل وخراب البيوت وتشرد الأطفال والنساء فقد أخذ الشيوعيون ينثرون الإشاعات في كل مكان بأن الإخوان المسلمين يعيدون تنظيم أنفسهم واختيار قيادة جديدة لهم وبلغتنا إشاعة أن الشيوعيين وضعوا منشورات في نقابة الصحفيين يبدو فيها طابع الإخوان للتحريض عليهم، ولم يكن هذا غريباً فقد سمعنا من قبل أنه ضبطت منشورات معدة للتوزيع في حقيبتي رجلين من رجال الدين المسيحي ماتا في حادث منذ سنوات وعليها توقيع الأخوان المسلمين بقصد الإيقاع بهم ..
كذلك كان الأستاذ منير الدلة قد قال لي في أثناء تحذيره وتخوفه من شبان متهورين يقومون بتنظيم: أنه يعتقد أنهم دسيسة على الإخوان بمعرفة قلم مخابرات أخبار أمريكي عن طريق الحاجة زينب الغزالي وأن المخابرات "كاشفاهم" وأنهم يفكرون في مكتب المشير في التعجيل بضربهم أو في تركهم فترة .. كما قال لي من قبل قريباً من هذا الكلام الحاج عبد الرازق هويدي نقلاً عن الأستاذ مراد الزيات صهر الأستاذ فريد عبد الخالق والأستاذ منير وبينهما توافق في التفكير والاتجاه، وكان الحاج عبد الرازق هويدي قد ذكر لي كذلك أن هؤلاء الشبان متصلون بالأستاذ عبد العزيز علي (الوزير السابق) أو اتصلوا به وأنه يقال: أنه متصل بالأمريكان ومدسوس عليهم وكنت قد عرفت من الشبان أنهم فعلاً التقوا مع الأستاذ عبد العزيز علي والأستاذ فريد في بيت الحاجة زينب الغزالي في أثناء بحثهم عن قيادة، ولكنهم لم يستريحوا له، فلم يكاشفوه بأسرار تنظيمهم، وفي كلام الأستاذ فريد معي أشار إلى اتصالهم بأشخاص مشكوك فيهم وكنت أعرف أنه يشير إلى اتصالهم بالأستاذ عبد العزيز وبالحاجة زينب، ورأيه من رأي الأستاذ منير أنهما مدسوسان لعمل مذبحة للإخوان ..
وكنت قد عرفت أن اتصالهم بالأستاذ عبد العزيز على منقطع، أما الحاجة زينب فكنت قد عرفت أنها قامت بمجهود كبير في السنوات الأخيرة في مساعدة البيوت، وأنها متصلة ببيت الأستاذ المرشد ومحل ثقتهم، وأن الشيخ عبد الفتاح هو وحده المتصل بها، ولم يكن عندي خوف من ناحية أن يستخدمها أي قلم مخابرات لأنها مكشوفة.
المهم أن هذه كلها كانت تنذر بقرب ضربة واعتداء يقع على الإخوان وعلى هذا التنظيم بشكل خاص... فقررنا الإسراع في التدريب بقدر الإمكان، وانصرفنا على انه ليس لدينا الإمكانيات الآن.
وأتذكر أن هذا كان آخر اجتماع للمجموعة، فلم التق بعد ذلك إلا بالشيخ عبد الفتاح وبالأخ علي العشماوي في رأس البر، ولم أتبين تفصيلات ما اتخذوه بينهم من إجراءات التدريب، ولا أية خطوات أخرى تنفيذية، ولا أذكر أنه جاء ذكر شيء من هذا سواء في مقابلتي مع الشيخ عبد الفتاح أو مع الأخ علي في رأس البر، إلى أن وقعت الاعتقالات الأولى للإخوان بالفعل، ولم يكن منهم أحد من أعضاء التنظيم بعد، وكانت المسافة قصيرة بين آخر اجتماع، والاعتقالات لا تمكنهم من تدريب حقيقي .. وهنا أرسلت إليهم عن طريق الحاجة زينب – في تعبيرات ملفوفة غير صريحة، أن يوقفوا نهائياً عملية السودان (أي الخاصة بالأسلحة) بأي شكل وأن يلغوا كل عملية أخرى (أي الخاصة برد الاعتداء) فجاءني استفهام من الأخ علي عن طريق الحاجة زينب كذلك عما إذا كانت هذه تعليمات نهائية حتى لو وقع التنظيم، فأجبته بأنه في هذه الحالة فقط وعند التأكد من إمكان أن تكون الضربة رادعة وشاملة يتخذ إجراء وإلا فصرف النظر عن كل شيء. وكنت أعلم أن ليس لديهم إمكانيات بالفعل وأنه لذلك لن يقع شيء.
وكان قد جرى في أثناء المناقشات الأولية عن الإجراءات التي تتخذ للرد على الاعتداء إذا وقع على الإخوان اعتداء حديث غير تدمير القناطر الخيرية الجديدة وبعض الجسور والكباري كعملية تعويق، ولكن هذا التفكير استبعد لأنه تدمير لمنشآت ضرورية لحياة الشعب وتؤثر في اقتصاده، وجاء استبعاد هذه الفكرة بمناسبة حديث لي معهم عن أهداف الصهيونية في هذه المرحلة من تدمير المنطقة:
أولاً: من ناحية العنصر البشري بإشاعة الانحلال العقيدي والأخلاقي..
وثانياً: من ناحية تدمير الاقتصاد .. وأخيراً التدمير العسكري .. فقال الأخ علي عشماوي بهذه المناسبة: ألا يخشى أن نكون في حالة تدمير القناطر والجسور والكباري مساعدين على تنفيذ المخططات الصهيونية من حيث لا ندري ولا نريد؟
ونبهتنا هذه الملاحظة إلى خطورة العملية فقررنا استبعادها والاكتفاء بأقل قدر ممكن من تدمير بعض المنشآت في القاهرة لشل حركة الأجهزة الحكومية عن المتابعة إذ أن هذا وحده هو الهدف من الخطة.. ولكن الأمر في هذا كله سواء في القضاء على أشخاص أو منشآت لم يتعد التفكير النظري كما تقدم .. ذلك أنه إلى آخر لحظة قبل اعتقالنا لم تكن لديهم إمكانيات فعلية للعمل – كما أخبروني من قبل – وكانت تعليماتي لهم ألا يقدموا على أي شيء إلا إذا كانت لديهم الإمكانيات الواسعة..
وكانت هذه هي صورة الموقف إلى يوم اعتقالي ولا أعلم بطبيعة الحال ماذا حدث بعد ذلك، إلا أنه واضح أنه لم يقع شيء أصلاً.. وقد كانت لديهم فرصة ثلاثة أسابيع على الأقل لو كانوا يريدون القيام بأي عمل.
اتصالاتنا بالإخوان في الخارج
في العام الماضي ولا أتذكر التاريخ بالضبط أخبرني الأخ علي العشماوي أن أحد إخوان العراق يحب أن يقابلني وأنه هو ممثل إخوان العراق في مصر أو مندوبهم وكان يدرس في مصر وهو مسافر لأنه أتم دراسته وأخذ موعداً مني لمقابلته معي في منزلي، وكان ذلك .. واسمه حازم أو عاصم ولا أتذكر بالضبط.س
ودار حديث لا أملك تذكر تفصيلاته ولكن موضوعه كان حول أوضاع الإخوان في البلاد المختلفة واختلاف ظروفهم حسب اختلاف الظروف حولهم. وأنهم يتطلعون إلى القيادة في مصر ولكن القيادة هنا لا تتصل بهم ولا توجههم ولذلك فإن كل مجموعة تتخذ لنفسها السياسة التي تراها باجتهادها. وأن الإخوان في العراق من أجل ذلك اتخذوا لأنفسهم قيادة مستقلة وخطة مستقلة يكيفونها هم بأنفسهم وفق ظروفهم، ولكنهم مع ذلك يحاولون الاتصال بالمجموعات الأخرى في البلاد المختلفة ولكن مجرد اتصال، ولا يطالعون أحداً من المجموعات الأخرى على تكوينهم ولا حتى على قيادتهم، وإنما يتصل مندوب فقط لمتابعة الأحوال-وأنه رغم أنه تكون مكتب في بيروت يمثل إخوان العراق والأردن وسورية والإخوان المصريين الذين في السعودية، فإن خطة إخوان العراق هي هذه التي ذكرها. لأن التشكيلات الأخرى ذات عقلية تقليدية ويحتاج الأمر إلى فترة حتى تتلاقى أفكارهم مع أفكارهم.
حدثته أنا عن تفكيرنا الذي انتهينا إليه من ناحية منهج الحركة وضرورة بدئه من شرح حقيقة العقيدة قبل النظام والشريعة، ومن التكوين الفردي قبل التنظيم الجماعي، ومن عدم محاولة فرض النظام الإسلامي عن طريق إحداث انقلاب من القمة وبالذات عدم إضاعة الجهد بالتدخل في الأحداث السياسية المحلية الجارية إلى آخر ما سبق بيانه من منهجنا الجديد.
وهنا قال: إنه على اتصال بالأستاذ فريد عبد الخالق باعتباره الممثل للإخوان هنا الذي له حق الاتصال به. وأنه يرى أن هناك اختلافاً في التفكير والمنهج بين ما أقوله وبين ما يعرفه من تفكير الأستاذ فريد ومنهج الجماعة كما يفهمه، وأنه لماذا لا يوجد التفكير في الجماعة؟ وقلت له: على كل حال هذا تفكيرنا نحن وفي الظروف الحاضرة لا نملك الحركة على نطاق واسع لتوحيد تفكير الجماعة، فهذه ثمرة التجربة التي مررنا بها، والزمن كفيل بها. ولم أخبره بشيء من التفصيلات عن تنظيمنا. ولكنه كان مستاء لأن يظهر الإخوان كأنهم فرقة أو فرقتان. وانصرف من عندي على أنه سيظل على اتصاله بالأستاذ فريد كممثل للجماعة وأنه في الوقت نفسه سيبلغ الإخوان في العراق ما سمعه مني والصورة التي عليها الحالة عندنا. وبعد اشهر عاد هذا الأخ من الخارج وقابلني مرة أخرى عن طريق الأخ علي أيضاً وكان معه أخ عراقي آخر، وأخبرني هو وزميله أنه عرض الصورة الواقعة في مصر على إخوانهم هناك، فكلفوه أن يكون الاتصال بنا لأن منهجنا وتفكيرنا أقرب إلى منهجهم وتفكيرهم، وإن لم يكن موحداً لاختلاف الظروف بيننا. وسلمني مبلغ مئتي جنيه هدية من إخوانه هناك للمساعدة على ظروفنا.. هكذا إجمالاً بدون تحديد..فسلمت المبلغ للأخ علي كما ذكرت من قبل ولم يتم اتصال آخر غير هذا في هذه المقابلة.
* * *
وفي مايو الماضي زارني بمفرده أحد إخوان الأردن. وهو طبيب اسمه عبد الرحمن .. أما بقية اسمه فلا أتذكرها، ومن السهل معرفة اسمه من الأستاذ فريد عبد الخالق، وذكر لي أنه منتدب من إخوان الأردن لمقابلة الإخوان هنا، وأنه حضر إلي لتهنئتي بالخروج من السجن باسم إخوان الأردن، وأبلغني تحيات مراقبهم العام الأستاذ عبد الرحمن خليفة. ثم تحدث حديثاً طويلاً عن المسألة التي يريد أخذ تعليمات فيها أو توجيهات، وهي مسألة علاقتهم بمنظمة التحرير وبالشقيري، وهي سرد طويل لعلاقتهم بالشقيري منذ بدأ التمهيد لتشكيل منظمة فلسطين وأحاديثهم معه وأحاديثه معهم، لا تسعفني ذاكرتي الآن باستحضاره لأني لم أكن أتتبعه باهتمام إلا في النقطة الأساسية فيه وهي تتلخص: في أن الشقيري طلب مساعدتهم في الدعوة للمنظمة وأنهم فهموا منه أنه جاد في قضية فلسطين فبذلوا له كل مساعدة. ولكن عند تشكيل الهيئة التنفيذية –أو ما يشبه هذا- وجدوا أنه استبعد الإخوان المسلمين منها، وأن أغلبية منها من المعروفين بميولهم الشيوعية، وأنهم راجعوه في هذا وكشفوا له عن حقيقة هؤلاء فوعد بالاهتمام بهذه المسألة وإعادة النظر في الموضوع، وأن المسألة بينهم وبينه عند هذا الحد.
وشكا من أن القيادة في مصر لا تتصل بهم ولا تعطيهم أي توجيهات في حين أنهم يعتبرون أنفسهم مرتبطين بالقاهرة.. وذكر لي أن السفير المصري في وقت من الأوقات سأل الأستاذ عبد الرحمن خليفة عما إذا كان يلبي دعوة لو جاءته من القاهرة، فرد الأستاذ عبد الرحمن عليه قائلاً: إن لك قيادة وأنت تتبعها وتطيع أوامرها. فأنا كذلك لي قيادة، وسألبي الدعوة لو جاءت لي من الأستاذ المرشد أو بموافقته وأن السفير قال له: يجب أن تعلقوا مصيركم ولا علاقاتكم بمصير الإخوان في مصر. فقال له: إننا مرتبطون بمصر باعتبارها قطاعاً من قطاعات الإخوان. ثم طلب مني توجيهات في الموقف، فقلت له: إنني لا أملك أن أعطيكم توجيهات محددة في موقف داخلي: أولاً لأنني لست المرشد. وثانياً لأنكم أنتم أعرف بظروفكم، وأقرب إلى القضية الفلسطينية، وأقرب إلى المنظمة وأخبر بكل ما يحيط بها. فطلب مقابلة المرشد فقلت له كذلك: إنني لا أملك أن أوصله بالمرشد لأنني أعرف أن حالته الصحية لم تعد تمكنه من بذل جهد في مثل هذه المشاغل والمشاكل، ولأنني أعرف كذلك عدم رغبته في مثل هذه المقابلات، وكنت سمعت هذا فعلاً نقلاً عن أهل بيته.
فقال لي: إنه سيقابل الأستاذ فريد فماذا انصح له هل يقابله أم يكتفي بمقابلتي؟ فقلت له: إنه يستطيع أن يقابل الأستاذ فريد بلا أي مانع.. وكان قد سألني قبل ذلك عن توجيهاتي العامة قبل سؤالي عن التوجيهات بخصوص منظمة فلسطين، فذكرت له أرائي في منهج الحركة الإسلامية على أنها مجرد آراء لي لا على أنها توجيهات لهم، لأني أعرف منذ سنة 1953 عندما كنت في الأردن أن إخوان الأردن منغمسون في الحركات السياسية المحلية، فلا يمكن أن أنصح لهم بالانسحاب منها وهم لا يستجيبون لهذا بحسب ظروفهم وتاريخهم في الحركة.
وقد علمت من الأستاذ فريد في المقابلة التي كانت بيني وبينه بعد ذلك وهي المقابلة الوحيدة باستثناء حضوره لتهنئتي بعد خروجي في العام الماضي والتي اقتصرت على التهنئة.. علمت أن الأخ الأردني زاره وأنه قابل الأستاذ المرشد كذلك. وأنه لم يأخذ منهما أية توجيهات في مسألة المنظمة. وأن المرشد أبدى رغبته في عدم الحديث في مثل هذه المسائل. وكذلك عرفت هذا من المرشد عندما زرته للسؤال عنه في مرضه وللعزاء في ابن عمه وذكرت له طلب ذلك الأخ زيارته وردي عليه. كذلك كان مما قاله لي ذلك الأخ الأردني: إن القوميين العرب في سورية اتصلوا بالأستاذ عصام عطار ليتعاون معهم في صراعهم مع حزب البعث وأمين الحافظ باعتبار أن حزب البعث والحكومة السورية تطارد الإخوان كما تطارد القوميين العرب. فقال لهم الأستاذ عصام: إن هذا التعاون يكون منتقداً من إخوان سورية وجميع الإخوان في البلاد العربية الأخرى مع وجود إخواننا في مصر في المعتقلات والسجون، ومعروف أن حركة القوميين العرب متصلة بالقاهرة، فالوضع لا يكون سليماً في مثل هذه الظروف ويحسن إنهاء قضية الإخوان في مصر ليصبح لمثل هذا التعاون محل وفرصة.
* * *
فأما التدريب فقد عرفت أنه موجود فعلاً من قبل أن يلتقوا بي، ولكن لم يكن ملحوظاً فيه أن لا يتدرب إلا الأخ الذي فهم عقيدته ونضج وعيه، فطلبت منهم مراعاة هذه القاعدة، وبهذه المناسبة سألتهم عن العدد الذي تتوافر فيه هذه الشروط عندهم وبعد مراجعة بينهم ذكروا لي أنهم حوالي السبعين، وتقرر الإٍسراع في تدريبهم نظراً لما كانوا يرونه من أن الملل يتسرب إلى نفوس الشباب إذا ظل كل زادهم هو الكلام من غير تدريب وإعداد.. ثم تجدد سبب آخر فيما بعد عندما بدأت الإشاعات ثم الاعتقالات بالفعل لبعض الأخوان .. وأما السلاح فكان موضوعه له جانبان:
الأول: أنهم أخبروني-ومجدي هو الذي كان يتولى الشرح في هذا الموضوع-أنه نظراً لصعوبة الحصول على ما يلزم منه حتى للتدريب فقد أخذوا في محاولات لصنع بعض المتفجرات محلياً، وأن التجارب نجحت وصنعت بعض القنابل فعلاً، ولكنها في حاجة إلى التحسين والتجارب مستمرة...
والثاني: أن علي عشماوي زارني على غير ميعاد وأخبرني أنه كان منذ حوالي سنتين قبل التقائنا قد طلب من أخ في دولة عربية قطعاً من الأسلحة، حددها له في كشف، ثم ترك الموضوع من وقتها، والآن جاءه خبر منه أن هذه الأسلحة سترسل – وهي كميات كبيرة حوالي عربية نقل، وأنها سترسل عن طريق السودان مع توقع وصولها في خلال شهرين .. وكان هذا قبل الاعتقالات بمدة ولم يكن في الجو ما ينذر بخطر قريب .. ولما كان الخبر مفاجئاً فلم يكن ممكناً البت في شأنه حتى نبحثه مع الباقين، فاتفقنا على موعد لبحثه معهم .. وفي اليوم التالي – على ما أتذكر- وقبل الموعد جاءني الشيخ عبد الفتاح إسماعيل وحدثني في هذا الأمر وفهمت أنه عرفه طبعاً من علي وكان يبدو غير موافق عليه ومتخوفاً منه، وقال: لابد من تأجيل البث في الموضوع حتى يحضر صبري، وقلت له: إننا سنجتمع لبحثه.
وفي الموعد الأول –على ما أتذكر لم يحضر صبري- لذلك لم يتم تقرير شيء في الأمر، وفي موعد آخر كان الخمسة عندي وتقرر تكليف علي بوقف إرسال الأسلحة من هناك حتى يتم الاستعلام من مصدرها عن مصدر النقود التي اشتريت بها، فإن كان من غير الإخوان ترفض، والاستفهام كذلك عن طريق شرائها دفعة واحدة أو مجزأة وطريقة إرسالها، وضمانات أنها مكشوفة أم لا؟ وبعد ذلك يقال للأخ المرسل ألا يرسلها حتى يخطره بإرسالها..
ومضى أكثر من شهر – على ما أتذكر – حتى وصل للأخ علي رد مضمونه الباقي في ذاكرتي: أن هذه الأسلحة بأموال إخوانية من خاصة مالهم، وأنهم دفعوا فيها ما هم في حاجة إليه لحياتهم تلبية للرغبة التي سبق إبداؤها من هنا وأنها اشتريت وشحنت بوسائل مأمونة..
ولا أتذكر إن كان هذا الرد أو رد تال جاء بعده قد تضمن أن الشحنة أرسلت فعلاً ولا يمكن وقف وصولها وأنهم يفكرون في طريق ليبيا إلى جانب طريق السودان أو لأنه قد يكون أيسر من طريق السودان (لا أتذكر النص بالضبط) والأرجح أنه رد واحد. وعند ذكر ليبيا قلت: أنهم إذا فكروا في طريق ليبيا فإن أعرف من يستطيعون مساعدتنا في نقل مثل هذه الأشياء.. وكنت أفكر وقتها في اثنين من إخوان ليبيا عرفتهما بعد خروجي من السجن: أحدهما (الطيب الشين) وكان يدرس في مركز التعليم الأساسي بسرس الليان وله علاقة بسائقي عربات النقل بخط الصحراء بين ليبيا ومصر، والآخر (المبروك) ولا أذكر إن كان اسمه الأول (محمد) أم لا لأني أعرفه باسم واحد .. وكان في مناسبة ذكر لي أن بعض أقاربه يشتغلون بالقوافل بين مصر وليبيا .. ولم أستوضحه وقتها عن القوافل لأنه كان كلاماً عابراً بخصوص ما إذا كان يلزمني أي شيء ليس موجوداً في مصر ويمكن الحصول عليه من ليبيا أو من الخارج وقوله لي أن أطلب أي شيء فنقله مأمون تماماً لأن أقاربه في القوافل .. كذلك لا أعرف بالضبط نوع التجارة التي يزاولها هو ويحضر من أجلها إلى مصر .. إلا أنه في مرة قال لي: أنه يستورد من الإسكندرية البرانس التي تلبس في المغرب وتصنع هنا في مصر وليس في المغرب .. ومرة قال لي أنه معه شحنة كتب .. ولكني غير متأكد من نوع التجارة التي يزاولها.
وأما مسألة المال فقد جاء ذكرها مرات في اجتماعاتنا أو في أحاديثهم متفرقين معي، وعرفت أن لدى الشيخ عبد الفتاح مبالغاً ولكنه كان يقول لهم دائماً: أنه هو مؤتمن عليه وهو وديعة عنده لينفق في أغراض معينة ولذلك فهو لا يملك أن ينفق منه في إعانات البيوت مثلاً ولا يملك التصرف في شيء إلا بإذنه .. وقد قال لي الشيخ عبد الفتاح مثل هذا الكلام، ولكن لما عرضت مسألة الإنفاق على الصناعة المحلية للمتفجرات وعلى الإنفاق لتسلم شحنة الأسلحة التي أرسلت بعدما تبين أنه لا يمكن وقفها ولا يمكن تركها كذلك قال أن أي مبلغ تحت تصرفكم. واستأذنني في هذا فأذنت له، وفهمت أنه كان يعتبر المبلغ أمانة لا يتصرف فيه إلا بإذن قيادة شرعية. ولكني لم أعلم بالضبط مصدر هذا المبلغ ولا مقداره .. كل ما كان واضحاً أنه من إخوان في الخارج وليس من أية جهة أخرى.. فهذا ما كنت أحب أن أتأكد منه في علاقاتهم السابقة لأني كما قلت لهم لا أجيز للحركة الإسلامية أن تستعين بأجنبي عنها لا في مال ولا في سلاح ولا في حركة .. كذلك لم أعرف بالضبط مقداره ولكني أستنتج أنه أكثر من ألف جنيه .. فقد جاء ذلك في كلمات عرضية .. وكان الشيخ عبد الفتاح يقول كذلك، أنه في مكان أمين .. ولم أكن أستوضحه عن هذه التفصيلات .. لأنني كنت أكتفي بأقل قدر منها .. وكذلك كل أعمالهم التنفيذية فقد كان يكفي منها عنده ما يتعلق بالخطة العامة.. أما التفصيلات فكانت متروكة لهم لأنهم أخبر بها مني .. ولكن تبعتها بالطبع تقع علي لأن الخطة العامة كانت تتم بموافقتي .. كذلك جاءنا مبلغ مئتي جنيه من إخوان العراق سلمتها للأخ على فور تسلمها، وكان حاضراً لتكون في عهدتهم وتحت تصرفهم .. وسيجيء تفصيل علاقتنا بإخوان العراق في موضعه فيما بعد..
خطة رد الاعتداء
على الحركة الإسلامية
كما تقدم كنا قد اتفقنا على مبدأ عدم استخدام القوة لقلب نظام الحكم، وفرض النظام الإسلامي من أعلى، واتفقنا في الوقت ذاته على مبدأ رد الاعتداء على الحركة الإسلامية التي هي منهجها إذا وقع الاعتداء عليها بالقوة.
وكان أمامنا المبدأ الذي يقرره الله سبحانه: "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم" وكان الاعتداء قد وقع علينا بالفعل في سنة 1954 وفي سنة 1957 بالاعتقال والتعذيب وإهدار كل كرامة آدمية في أثناء التعذيب ثم بالقتل والتعذيب وإهدار كل كرامة آدمية في أثناء التعذيب ثم بالقتل وتخريب البيوت وتشريد الأطفال والنساء. ولكننا كنا قررنا أن هذا الماضي قد انتهى أمره فلا تفكر في رد الاعتداء الذي وقع علينا فيه، إنما المسألة هي مسألة الاعتداء علينا الآن. وهذا هو الذي تقرر الرد عليه إذا وقع .. وفي الوقت نفسه لم نكن نملك أن نرد بالمثل لأن الإسلام ذاته لا يبيح لمسلم أن يعذب أحداً، ولا أن يهدر كرامة الآدمية ولا أن يترك أطفاله ونساءه بالجوع، وحتى الذين تقام عليهم الحدود في الإسلام ويموتون تتكفل الدولة بنسائهم وأطفالهم، فلم يكن في أيدينا من وسائل رد الاعتداء التي يبيحها لنا ديننا إلا القتال والقتل: أولاً لرد الاعتداء حتى لا يصبح الاعتداء على الحركة الإسلامية وأهلها سهلاً يزاوله المعتدون في كل وقت. وثانياً لمحاولة إنقاذ وإفلات أكبر عدد ممكن من الشباب المسلم النظيف المتماسك الأخلاق في جيل كله إباحية وكله انحلال وكله انحراف في التعامل والسلوك كما هو دائر على السنة الناس وشائع لا يحتاج إلى كلام.
لهذه الأسباب مجتمعة فكرنا في خطة ووسيلة ترد الاعتداء .. والذي قلته لهم ليفكروا في الخطة والوسيلة باعتبار أنهم هم الذين سيقومون بها بما في أيديهم من إمكانيات لا أملك أنا معرفتها بالضبط ولا تحديدها.. الذي قلته لهم: إننا إذا قمنا برد الاعتداء عند وقوعه فيجب أن يكون ذلك في ضربه راجعة توفق الاعتداء وتكفل سلامة أكبر عدد من الشباب المسلم.
ووفقاً لهذا جاءوا في اللقاء التالي ومع أحمد عبد المجيد قائمة باقتراحات تتناول الأعمال التي تكفي لشل الجهاز الحكومي عن متابعة الأخوان في حالة ما إذا وقع الاعتداء عليهم كما وقع في المرات السابقة لأي سبب إما بتدبير حادث كحادث المنشية الذي كنا نعلم أن الأخوان لم يدبروه أو مذبحة طرة التي كنا على يقين أنها دبرت للأخوان تدبيراً، أو لأية أسباب أخرى تجهلها الدولة أو تدس عليها وتجيء نتيجة مؤامرة أجنبية أو محلية .. وهذه الأعمال هي الرد فور وقوع اعتقالات لأعضاء التنظيم بإزالة رؤوس في مقدمتها رئيس الجمهورية ورئيس الوزارة ومدير مكتب المشير ومدير المخابرات ومدير البوليس الحربي، ثم نسف لبعض المنشآت التي تشل حركة مواصلات القاهرة لضمان عدم تتبع بقية الإخوان فيها وفي خارجها كمحطة الكهرباء والكباري، وقد استبعدت فيما بعد نسف الكباري كما سيجيء.
وقلت له: إن هذا إذا أمكن يكون كافياً كضربة رادعة رد على الاعتداء على الحركة وهو الاعتداء الذي يتمثل في الاعتقال والتعذيب والقتل والتشريد كما حدث من قبل- ولكن ما هي الإمكانيات العملية عندكم للتنفيذ ..
وظهر من كلامهم أنه ليس لديهم الإمكانيات اللازمة، وأن بعض الشخصيات كرئيس الجمهورية ورئيس الوزارة –فيما يذكر- وربما غيرهما كذلك عليهم حراسة قوية لا تجعل التنفيذ ممكناً، فضلاً على أن ما لديهم من الرجال المدربين والأسلحة اللازمة غير كاف لمثل هذه العمليات .. وبناء على ذلك اتفق على الإسراع في التدريب بعدما كنت من قبل أرى تأجيله ولا أتحمس له باعتباره الخطوة الأخيرة في خط الحركة وليس الخطوة الأولى .. ذلك أنه كانت هناك نذر متعددة توحي بأن هناك ضربة للإخوان متوقعة، والضربة كما جربنا معناها التعذيب والقتل وخراب البيوت وتشرد الأطفال والنساء فقد أخذ الشيوعيون ينثرون الإشاعات في كل مكان بأن الإخوان المسلمين يعيدون تنظيم أنفسهم واختيار قيادة جديدة لهم وبلغتنا إشاعة أن الشيوعيين وضعوا منشورات في نقابة الصحفيين يبدو فيها طابع الإخوان للتحريض عليهم، ولم يكن هذا غريباً فقد سمعنا من قبل أنه ضبطت منشورات معدة للتوزيع في حقيبتي رجلين من رجال الدين المسيحي ماتا في حادث منذ سنوات وعليها توقيع الأخوان المسلمين بقصد الإيقاع بهم ..
كذلك كان الأستاذ منير الدلة قد قال لي في أثناء تحذيره وتخوفه من شبان متهورين يقومون بتنظيم: أنه يعتقد أنهم دسيسة على الإخوان بمعرفة قلم مخابرات أخبار أمريكي عن طريق الحاجة زينب الغزالي وأن المخابرات "كاشفاهم" وأنهم يفكرون في مكتب المشير في التعجيل بضربهم أو في تركهم فترة .. كما قال لي من قبل قريباً من هذا الكلام الحاج عبد الرازق هويدي نقلاً عن الأستاذ مراد الزيات صهر الأستاذ فريد عبد الخالق والأستاذ منير وبينهما توافق في التفكير والاتجاه، وكان الحاج عبد الرازق هويدي قد ذكر لي كذلك أن هؤلاء الشبان متصلون بالأستاذ عبد العزيز علي (الوزير السابق) أو اتصلوا به وأنه يقال: أنه متصل بالأمريكان ومدسوس عليهم وكنت قد عرفت من الشبان أنهم فعلاً التقوا مع الأستاذ عبد العزيز علي والأستاذ فريد في بيت الحاجة زينب الغزالي في أثناء بحثهم عن قيادة، ولكنهم لم يستريحوا له، فلم يكاشفوه بأسرار تنظيمهم، وفي كلام الأستاذ فريد معي أشار إلى اتصالهم بأشخاص مشكوك فيهم وكنت أعرف أنه يشير إلى اتصالهم بالأستاذ عبد العزيز وبالحاجة زينب، ورأيه من رأي الأستاذ منير أنهما مدسوسان لعمل مذبحة للإخوان ..
وكنت قد عرفت أن اتصالهم بالأستاذ عبد العزيز على منقطع، أما الحاجة زينب فكنت قد عرفت أنها قامت بمجهود كبير في السنوات الأخيرة في مساعدة البيوت، وأنها متصلة ببيت الأستاذ المرشد ومحل ثقتهم، وأن الشيخ عبد الفتاح هو وحده المتصل بها، ولم يكن عندي خوف من ناحية أن يستخدمها أي قلم مخابرات لأنها مكشوفة.
المهم أن هذه كلها كانت تنذر بقرب ضربة واعتداء يقع على الإخوان وعلى هذا التنظيم بشكل خاص... فقررنا الإسراع في التدريب بقدر الإمكان، وانصرفنا على انه ليس لدينا الإمكانيات الآن.
وأتذكر أن هذا كان آخر اجتماع للمجموعة، فلم التق بعد ذلك إلا بالشيخ عبد الفتاح وبالأخ علي العشماوي في رأس البر، ولم أتبين تفصيلات ما اتخذوه بينهم من إجراءات التدريب، ولا أية خطوات أخرى تنفيذية، ولا أذكر أنه جاء ذكر شيء من هذا سواء في مقابلتي مع الشيخ عبد الفتاح أو مع الأخ علي في رأس البر، إلى أن وقعت الاعتقالات الأولى للإخوان بالفعل، ولم يكن منهم أحد من أعضاء التنظيم بعد، وكانت المسافة قصيرة بين آخر اجتماع، والاعتقالات لا تمكنهم من تدريب حقيقي .. وهنا أرسلت إليهم عن طريق الحاجة زينب – في تعبيرات ملفوفة غير صريحة، أن يوقفوا نهائياً عملية السودان (أي الخاصة بالأسلحة) بأي شكل وأن يلغوا كل عملية أخرى (أي الخاصة برد الاعتداء) فجاءني استفهام من الأخ علي عن طريق الحاجة زينب كذلك عما إذا كانت هذه تعليمات نهائية حتى لو وقع التنظيم، فأجبته بأنه في هذه الحالة فقط وعند التأكد من إمكان أن تكون الضربة رادعة وشاملة يتخذ إجراء وإلا فصرف النظر عن كل شيء. وكنت أعلم أن ليس لديهم إمكانيات بالفعل وأنه لذلك لن يقع شيء.
وكان قد جرى في أثناء المناقشات الأولية عن الإجراءات التي تتخذ للرد على الاعتداء إذا وقع على الإخوان اعتداء حديث غير تدمير القناطر الخيرية الجديدة وبعض الجسور والكباري كعملية تعويق، ولكن هذا التفكير استبعد لأنه تدمير لمنشآت ضرورية لحياة الشعب وتؤثر في اقتصاده، وجاء استبعاد هذه الفكرة بمناسبة حديث لي معهم عن أهداف الصهيونية في هذه المرحلة من تدمير المنطقة:
أولاً: من ناحية العنصر البشري بإشاعة الانحلال العقيدي والأخلاقي..
وثانياً: من ناحية تدمير الاقتصاد .. وأخيراً التدمير العسكري .. فقال الأخ علي عشماوي بهذه المناسبة: ألا يخشى أن نكون في حالة تدمير القناطر والجسور والكباري مساعدين على تنفيذ المخططات الصهيونية من حيث لا ندري ولا نريد؟
ونبهتنا هذه الملاحظة إلى خطورة العملية فقررنا استبعادها والاكتفاء بأقل قدر ممكن من تدمير بعض المنشآت في القاهرة لشل حركة الأجهزة الحكومية عن المتابعة إذ أن هذا وحده هو الهدف من الخطة.. ولكن الأمر في هذا كله سواء في القضاء على أشخاص أو منشآت لم يتعد التفكير النظري كما تقدم .. ذلك أنه إلى آخر لحظة قبل اعتقالنا لم تكن لديهم إمكانيات فعلية للعمل – كما أخبروني من قبل – وكانت تعليماتي لهم ألا يقدموا على أي شيء إلا إذا كانت لديهم الإمكانيات الواسعة..
وكانت هذه هي صورة الموقف إلى يوم اعتقالي ولا أعلم بطبيعة الحال ماذا حدث بعد ذلك، إلا أنه واضح أنه لم يقع شيء أصلاً.. وقد كانت لديهم فرصة ثلاثة أسابيع على الأقل لو كانوا يريدون القيام بأي عمل.
اتصالاتنا بالإخوان في الخارج
في العام الماضي ولا أتذكر التاريخ بالضبط أخبرني الأخ علي العشماوي أن أحد إخوان العراق يحب أن يقابلني وأنه هو ممثل إخوان العراق في مصر أو مندوبهم وكان يدرس في مصر وهو مسافر لأنه أتم دراسته وأخذ موعداً مني لمقابلته معي في منزلي، وكان ذلك .. واسمه حازم أو عاصم ولا أتذكر بالضبط.س
ودار حديث لا أملك تذكر تفصيلاته ولكن موضوعه كان حول أوضاع الإخوان في البلاد المختلفة واختلاف ظروفهم حسب اختلاف الظروف حولهم. وأنهم يتطلعون إلى القيادة في مصر ولكن القيادة هنا لا تتصل بهم ولا توجههم ولذلك فإن كل مجموعة تتخذ لنفسها السياسة التي تراها باجتهادها. وأن الإخوان في العراق من أجل ذلك اتخذوا لأنفسهم قيادة مستقلة وخطة مستقلة يكيفونها هم بأنفسهم وفق ظروفهم، ولكنهم مع ذلك يحاولون الاتصال بالمجموعات الأخرى في البلاد المختلفة ولكن مجرد اتصال، ولا يطالعون أحداً من المجموعات الأخرى على تكوينهم ولا حتى على قيادتهم، وإنما يتصل مندوب فقط لمتابعة الأحوال-وأنه رغم أنه تكون مكتب في بيروت يمثل إخوان العراق والأردن وسورية والإخوان المصريين الذين في السعودية، فإن خطة إخوان العراق هي هذه التي ذكرها. لأن التشكيلات الأخرى ذات عقلية تقليدية ويحتاج الأمر إلى فترة حتى تتلاقى أفكارهم مع أفكارهم.
حدثته أنا عن تفكيرنا الذي انتهينا إليه من ناحية منهج الحركة وضرورة بدئه من شرح حقيقة العقيدة قبل النظام والشريعة، ومن التكوين الفردي قبل التنظيم الجماعي، ومن عدم محاولة فرض النظام الإسلامي عن طريق إحداث انقلاب من القمة وبالذات عدم إضاعة الجهد بالتدخل في الأحداث السياسية المحلية الجارية إلى آخر ما سبق بيانه من منهجنا الجديد.
وهنا قال: إنه على اتصال بالأستاذ فريد عبد الخالق باعتباره الممثل للإخوان هنا الذي له حق الاتصال به. وأنه يرى أن هناك اختلافاً في التفكير والمنهج بين ما أقوله وبين ما يعرفه من تفكير الأستاذ فريد ومنهج الجماعة كما يفهمه، وأنه لماذا لا يوجد التفكير في الجماعة؟ وقلت له: على كل حال هذا تفكيرنا نحن وفي الظروف الحاضرة لا نملك الحركة على نطاق واسع لتوحيد تفكير الجماعة، فهذه ثمرة التجربة التي مررنا بها، والزمن كفيل بها. ولم أخبره بشيء من التفصيلات عن تنظيمنا. ولكنه كان مستاء لأن يظهر الإخوان كأنهم فرقة أو فرقتان. وانصرف من عندي على أنه سيظل على اتصاله بالأستاذ فريد كممثل للجماعة وأنه في الوقت نفسه سيبلغ الإخوان في العراق ما سمعه مني والصورة التي عليها الحالة عندنا. وبعد اشهر عاد هذا الأخ من الخارج وقابلني مرة أخرى عن طريق الأخ علي أيضاً وكان معه أخ عراقي آخر، وأخبرني هو وزميله أنه عرض الصورة الواقعة في مصر على إخوانهم هناك، فكلفوه أن يكون الاتصال بنا لأن منهجنا وتفكيرنا أقرب إلى منهجهم وتفكيرهم، وإن لم يكن موحداً لاختلاف الظروف بيننا. وسلمني مبلغ مئتي جنيه هدية من إخوانه هناك للمساعدة على ظروفنا.. هكذا إجمالاً بدون تحديد..فسلمت المبلغ للأخ علي كما ذكرت من قبل ولم يتم اتصال آخر غير هذا في هذه المقابلة.
* * *
وفي مايو الماضي زارني بمفرده أحد إخوان الأردن. وهو طبيب اسمه عبد الرحمن .. أما بقية اسمه فلا أتذكرها، ومن السهل معرفة اسمه من الأستاذ فريد عبد الخالق، وذكر لي أنه منتدب من إخوان الأردن لمقابلة الإخوان هنا، وأنه حضر إلي لتهنئتي بالخروج من السجن باسم إخوان الأردن، وأبلغني تحيات مراقبهم العام الأستاذ عبد الرحمن خليفة. ثم تحدث حديثاً طويلاً عن المسألة التي يريد أخذ تعليمات فيها أو توجيهات، وهي مسألة علاقتهم بمنظمة التحرير وبالشقيري، وهي سرد طويل لعلاقتهم بالشقيري منذ بدأ التمهيد لتشكيل منظمة فلسطين وأحاديثهم معه وأحاديثه معهم، لا تسعفني ذاكرتي الآن باستحضاره لأني لم أكن أتتبعه باهتمام إلا في النقطة الأساسية فيه وهي تتلخص: في أن الشقيري طلب مساعدتهم في الدعوة للمنظمة وأنهم فهموا منه أنه جاد في قضية فلسطين فبذلوا له كل مساعدة. ولكن عند تشكيل الهيئة التنفيذية –أو ما يشبه هذا- وجدوا أنه استبعد الإخوان المسلمين منها، وأن أغلبية منها من المعروفين بميولهم الشيوعية، وأنهم راجعوه في هذا وكشفوا له عن حقيقة هؤلاء فوعد بالاهتمام بهذه المسألة وإعادة النظر في الموضوع، وأن المسألة بينهم وبينه عند هذا الحد.
وشكا من أن القيادة في مصر لا تتصل بهم ولا تعطيهم أي توجيهات في حين أنهم يعتبرون أنفسهم مرتبطين بالقاهرة.. وذكر لي أن السفير المصري في وقت من الأوقات سأل الأستاذ عبد الرحمن خليفة عما إذا كان يلبي دعوة لو جاءته من القاهرة، فرد الأستاذ عبد الرحمن عليه قائلاً: إن لك قيادة وأنت تتبعها وتطيع أوامرها. فأنا كذلك لي قيادة، وسألبي الدعوة لو جاءت لي من الأستاذ المرشد أو بموافقته وأن السفير قال له: يجب أن تعلقوا مصيركم ولا علاقاتكم بمصير الإخوان في مصر. فقال له: إننا مرتبطون بمصر باعتبارها قطاعاً من قطاعات الإخوان. ثم طلب مني توجيهات في الموقف، فقلت له: إنني لا أملك أن أعطيكم توجيهات محددة في موقف داخلي: أولاً لأنني لست المرشد. وثانياً لأنكم أنتم أعرف بظروفكم، وأقرب إلى القضية الفلسطينية، وأقرب إلى المنظمة وأخبر بكل ما يحيط بها. فطلب مقابلة المرشد فقلت له كذلك: إنني لا أملك أن أوصله بالمرشد لأنني أعرف أن حالته الصحية لم تعد تمكنه من بذل جهد في مثل هذه المشاغل والمشاكل، ولأنني أعرف كذلك عدم رغبته في مثل هذه المقابلات، وكنت سمعت هذا فعلاً نقلاً عن أهل بيته.
فقال لي: إنه سيقابل الأستاذ فريد فماذا انصح له هل يقابله أم يكتفي بمقابلتي؟ فقلت له: إنه يستطيع أن يقابل الأستاذ فريد بلا أي مانع.. وكان قد سألني قبل ذلك عن توجيهاتي العامة قبل سؤالي عن التوجيهات بخصوص منظمة فلسطين، فذكرت له أرائي في منهج الحركة الإسلامية على أنها مجرد آراء لي لا على أنها توجيهات لهم، لأني أعرف منذ سنة 1953 عندما كنت في الأردن أن إخوان الأردن منغمسون في الحركات السياسية المحلية، فلا يمكن أن أنصح لهم بالانسحاب منها وهم لا يستجيبون لهذا بحسب ظروفهم وتاريخهم في الحركة.
وقد علمت من الأستاذ فريد في المقابلة التي كانت بيني وبينه بعد ذلك وهي المقابلة الوحيدة باستثناء حضوره لتهنئتي بعد خروجي في العام الماضي والتي اقتصرت على التهنئة.. علمت أن الأخ الأردني زاره وأنه قابل الأستاذ المرشد كذلك. وأنه لم يأخذ منهما أية توجيهات في مسألة المنظمة. وأن المرشد أبدى رغبته في عدم الحديث في مثل هذه المسائل. وكذلك عرفت هذا من المرشد عندما زرته للسؤال عنه في مرضه وللعزاء في ابن عمه وذكرت له طلب ذلك الأخ زيارته وردي عليه. كذلك كان مما قاله لي ذلك الأخ الأردني: إن القوميين العرب في سورية اتصلوا بالأستاذ عصام عطار ليتعاون معهم في صراعهم مع حزب البعث وأمين الحافظ باعتبار أن حزب البعث والحكومة السورية تطارد الإخوان كما تطارد القوميين العرب. فقال لهم الأستاذ عصام: إن هذا التعاون يكون منتقداً من إخوان سورية وجميع الإخوان في البلاد العربية الأخرى مع وجود إخواننا في مصر في المعتقلات والسجون، ومعروف أن حركة القوميين العرب متصلة بالقاهرة، فالوضع لا يكون سليماً في مثل هذه الظروف ويحسن إنهاء قضية الإخوان في مصر ليصبح لمثل هذا التعاون محل وفرصة.
* * *
مواضيع مماثلة
» " ســـــــــيد قطب "( لماذا أعدموني ؟ )
» " ســـــــــيد قطب "( لماذا أعدموني 2 ؟ )
» " ســـــــــيد قطب "( لماذا أعدموني 4 ؟ )
» " ســـــــــيد قطب "( لماذا أعدموني 5؟ )
» لماذا عرف بنو العروس بالدفافعة ؟
» " ســـــــــيد قطب "( لماذا أعدموني 2 ؟ )
» " ســـــــــيد قطب "( لماذا أعدموني 4 ؟ )
» " ســـــــــيد قطب "( لماذا أعدموني 5؟ )
» لماذا عرف بنو العروس بالدفافعة ؟
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى