إمارة العروسيين بارض الكَبلة والسودان الغربي
4 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
إمارة العروسيين بارض الكَبلة والسودان الغربي
في ظل الاوضاع المتوترة سياسيا واقتصاديا وأمنيا التي تشهدها المنطقة الغربية من الصحراء الكبرى عموما وبلاد الكبلة خصوصا، دخل أبناء و أحفاد الشيخ سيدي أحمد العروسي معززين بقبائل تابعة لهم مثل أولاد عبد الواحد، لمرادين، لميسات، لميشنات وقبائل أخرى صغيرة بقيادة سيدي براهيم لخليفي الابن البكر للشيخ سيدي أحمد العروسي، الذي قام بالسيطرة على أهم المناطق التي كانت تعتبر مراكز تجارية في منطقة غرب الصحراء مثل ولاتة، تكبة، تيشيت، الكبلة، تمبكتو وغيرها كثير ... وقد كانت المنطقة تعيش وضعية اشتثنائية حيث الفوضى العارم تعم جميع أرجاء المنطقة بفعل الصراعات التي كانت دائرة بين السكان الاصليين وبين بني حسان الضيوف الوافدين على المنطقة آنذاك، هذا بالاضافة الى الفراغ السياسي وقد أطلق عليها الاروبيون بهذه الفترة بلاد السيبة، حيث كان المجتمع يغلب عليه طابع البداوة و الترحال، ولم يعرف سلطة سياسية قط اللهم في عهد الدولة المرابطية التي لم تعمر كثيرا بالمنطقة.
ولقد تعددت المصادر والمراجع المتحدثة عن هذه الفترة، ومنها ورد لدى الباحث الموريتاني سيد أحمد بن أحمد سالم ما نصه "... قبيلة العروسيين المشهورة بالصحراء يبدوا من خلال المصادر التاريخية الموريتانية التي أرخت لهذه الفترة، أن البلاد عرفت موجات متلاحقة من غزوات العروسيين القادمين من جنوب المغرب، فنجد شنان بن أبراهيم العروسي يرافقه أخوه التونسي و أبوهما ابراهيم يضايق أهل ولاتة طيلة إحدى عشر سنة و زيادة و يفرض عليهم المغرم إلى أن قتله أولاد يونس سنة 1040..."
لقد كانت الساقية الحمراء منطلق العروسيين لتوسع و الانتشار بالمناطق الجنوبية لها، على أعتبار أنها موطن استقرار الشيخ سيدي أحمد العروسي ومكان زاويته التي كان يُدَرسُ بها الدين و التصوف وكذا مكان ضريحه الكريم.
فبتدأ العروسييون بقيادة سيدي براهيم العروسي من مدينة ولاتة، فنصبو بها قلعة وابتنو عليها صورا، فكانت منطلق لتحركاته على عدة محاور وجبهات من أجل بسط نفوذهم على منطقة غرب الصحراء من جهة و لشن الحملات الجهادية ضد الكفار من الزنوج من جهة اخرى.
ذكر في كتاب "التكملة في تاريخ إمارتي لبراكنة والترارزة" لصاحبه محمد فال بن باب العلوي أن معركة وقعت يوم "النيش" سنة 1039هـ /1629م، وهي موضعة في ولاية "إينشيري" الحالية بموريتانيا. وهي الواقعة التي قتل فيها أحد قادة أولاد رزك، لتقع بعد ذالك واقعة أخرى ادت الى انقسامهم، فاستنجد البعض بطرف اخر كان معادي لكليهما هو المغافرة، ليستعين المغافرة بدورهم بسيدي ابراهيم العروسي. ولعلها كانت حلقة من سلسلة المصادمات بين أولاد رزك المسيطرين على المنطقة منذ حوالي قرنين، والمغافرة الطامحين الى افتكاك هذه السيطرة. ويبدو أن قوتهم كانت متكافئة شئ ما، ولم تكن " أنتيتام" ستحسم الموقف بعد ذالك الا عندما دخولت المعادلة قوى جديدة وهي قوى سيدي ابراهيم العروسي.
ورغم اعتباره وجود العروسيين في بلاد الكبلة محنة من محن التي تعرضت لها الزوايا في المنطقة، الا أن محمد اليدالي في كتابه "شيم الزوايا" عرض مجموعة من الشواهد التاريخية مفادها أن بسط سيطرة لعروسيين على المنطقة هو الذي أدى الى القضاء على سلط "أولاد رزك" بن أودي بن حسان، وهي القوة النافذة والمسيطرة خلال القرن الخامس عشر الميلادي العاشر الهجري. وقد عانى مجموع الزوايا بالمنطقة من ظلمهم وتجبرهم وخاصة زاوية "تشمش"، الى أن قضى عليهم سيدي براهيم العروسي في معركة "أنتيتام" الشهيرة سنة 1040 هـ/1630م وفتح بها "لكتيبات" بمساعدة أحمد بن دامان، وقد قتل بهذه المعركة قائدان من قبيلة العروسيين يقال أنهما أبناء سيدي براهيم، ليفتح المجال امام "الترارزة" ليصبحو قوة نافذة بعد أن لم يعرف لهم ذكر قبل ذالك. ومن خلال حديث محمد اليدالي عن قدوم سيدي براهيم العروسي الى منطقة الكبلة والمناظرة التي جرت بينه وبين أربع من أبرز قادة الزوايا في المنطقة وزعمائها الروحيين، نستشف أن حملة العروسيين على المنطقة لم تكن بغرض السلب والنهب كما حاول بعض الكتاب أن يصورها، وإنما جائت في سياق السياسة للسيطرة على الاوضاع المضطربة في المنطقة بفعل هيمنة بعض القبائل وتسلط البعض الاخر على السكان. وقد ذكر الشيخ والد ولد خالنا الديماني في كتابه "كرامات أولياء تشمش" قائلا: "كانت له حيل يحتال بها يجلب بها قلوب الناس وكانت له محلة، وكانت يأتي زوايا الكبلة ويفعل فيها ما يشاء ولا يقدر أحد ان يتعرض له بشئ".
وتجلت خطة سيدي براهيم العروسي في عاملين، أولهما تعديل ميزان القوة لصالح بعض الاطراف الحسانية الموالية للزوايا نسبيا. وثانيهما السيطرة على عدة مناطق متباعدة في المسافة من أجل بسط السيطرة وقلب الاوضاع المتوترة والمضطربة، والتي لقيت مقاومة عنيفة من طرف القوى العشائرية المحلية التي لم تعتد الل على الفوضى، وقد امتدت تلك المعارضة لتشمل الكتابات التاريخية التي تناولت تلك الاحداث.
ورغم كل ذالك فقد سيطرة على المنطقة وذاع صيته بها، حتى أصبح أبرز رجالاتها، وفي هذا السياق يقول الشيخ والد ولد خالنا الديماني في كتابه "كرامات أولياء تشمش": "أقبلت عليه أفاويج الاحاضر والبوادي وشاع أمره في جميع النوادي، وسارت به الركبان والعوادي، وكاد يبلغ خبره برك الغماد، وأوشك أن يحتوي على ملك بغداد، ويكون أنفذ حكما من ابن خويز منداد، وأبسط يد من شداد بن عاد، واعز من ابن طرفة، وأرضه أوسع من طرفة".
كانت مدينة ولاتة تعرف الكثير من الاضطرابات قبيل دخول العروسيين اليها، وقد تطرق الاستاذ سيدات ولد بابية الولاتي في كتابه "ولاتة الماضي والحاضر" عن الوضعية المضطربة التي كانت تعيشها المنطقة آنذاك قائلا: "ان المدينة عانت فترة توتر الناحية السياسية والثقافية والاقتصادية نظرا لتصاعد الفوضى السياسية وتعدد الامارات فيها وحروبها فيما بينها، بالاضافة الى جماعة من المحاربين الذين تخذو الغزو والنهب وسيلة للعيش فيها خاصة في عهد "أولاد أمبارك" وقد ترتب عن ذالك جو من الذعر و الفراغ أدى الى هجرة الكثير من السكان الى حيث يتوفر الامن والاستقرار ولم يكن من المجتمع الولاتي وسائل الدفاع سوى ماتوفره طبيعة القرية من أسوار ومخابئ لايعرف الغزاة البدويون لاقتحامها أي سبيل، وهذا ماجعل بعض الغزاة يلجأ الى فرض حصار على مصادر المياه حتى تودى لهم مبالغ معينة ترضي جشعهم".
ولم يقتصر تواجد العروسييون على نطاق المناطق المذكورة أنفا فقط، بل تعداها ليشمل بلاد السودان الغربي وبلاد الزنوج، حيث قامو هناك بعدة حملات عسكرية ضد الزنوج بمالي، حيث نجد صاحب كتاب "تاريخ السودان" السلطان عبد الرحمان السعدي يتحدث عن دخول العروسيين لمنطقة تمبكتو بمالي من ذالك قوله: "وفي يوم الاثنين اخر يوم من محرم فاتح العام التاسع والثلاثين والاف توفي عمر بن ابراهيم العروسي وغلامه بلال قتلا في معركة بينه وبين الباشا عبد القادر...".
وكان شنانبن ابراهيم العروسي قد عينه والده على رأس جيش كبير ومعه أخوه التونسي، ووجههما الى بلاد الزنوج والسودان الغربي لفتحهما. وفي طريقه مر على مدينة ولاتة وخيم بقربها وطلب منهم شيئ من المال يستعين به في حملته الجهادية ضد الكفار من الزنوج فمتنعو عن اعطائه ما طلب منهم فاتهمهم بالبخل والتقاعس عن مساعدة المجاهدين، وفرض عليهم عقوبة مالية مجحفة، وبنى بقرب القرية قلعة جعلها منطلق عملياته الجهادية. كان مجيئه لولاتة سنة 1045هـ ومكث فيها الى أن أغتيل سنة 1056 هـ من طرف أحد حلفاء أبناء يونس، والمدة التي مكثها في بولاتة استطاع أن يحقق عدة مكاسب مهمة لعل من أبرزها القضاء على اسكيا عالي سمبا أحد أمراء أمبراطورية السنغاي سنة 1049 هـ. وفي هذا الصدد يقول عبد الرحمان السعدي "وفي العام التاسع والاربعين والاف توفي اسكيا عالي سمبا المعزول قتله أصحاب غزوة شنان العروسي بن إبراهيم العروسي".
عدل سابقا من قبل أحمد سالم داهي في الجمعة 26 فبراير 2010, 9:45 am عدل 4 مرات
رد: إمارة العروسيين بارض الكَبلة والسودان الغربي
اكثر الله من امثالك الاخ أحمد سالم داهي دائما الجديد الملئ من المعلومات القيمة التى لم تكن تخطر لنا على بال. (من كان يظن ان لعروسيين وصلو الى موريتانيا ومالي وغيرها)
جزاك الله عنا كل خير
جزاك الله عنا كل خير
mo7amadan- أعروسي(ة) مهتم(ة)
-
عدد المساهمات : 112
العمر : 43
الموقع : بلاد البيظان
العمل/المهنة : تـاجـر
رد: إمارة العروسيين بارض الكَبلة والسودان الغربي
الاخ احمد سالم داهي المرجوا كتابة البحث الذي قام به الاخ محمد ولد الشيخ احمد "العروسيين في غرب الصحراء"
alisalem- أعروسي(ة) جديد(ة)
-
عدد المساهمات : 11
نتائج حرب شرببة على الاوضاع الموريتانية خصوصا وبلاد البيظان عموما
بعد أن وضعت حرب شرببه أوزارها ، و بعد أن وضع كل فريق السلاح ، كانت مجموعة من الأمور قد تغيرت ، أو وجب تغييرها ، إذ أن الحرب دائما ما تعطي منتصرا واحدا ، الشيء الذي حصل مع سيدي أبراهيم العروسي (الوافد) على حساب أولاد رزك (المتوطنين) ، فغير مجموعة مصطلحات مثل الوافدون والواطنون ... هاذين المصطلحين الذين سيختفيا بعد الحرب لتظهر بعدهما لفظتي الزوايا و زناكة ، فما هي المتغيرات السياسية و الإجتماعية التي أحدثتها حرب شرببة ؟
على المستوى الاجتماعي أول تحول وقع هو أن الانتساب للعرب أصبح من دواعي الفخر و الاعتزاز ، إذ الملاحظ هو لجوء القبائل الصنهاجية الامازيغية لإعادة كتابة مشجرات أنسابها لأن النسب ،الجديد أصبح هو النسب الأكثر حظوة ، كما ترسخت عقب ذلك اللغة العربية ، لأن ثقافة الغالب غالبا ما تصبح ثقافة المغلوب مع مرور الوقت ، فأصبحت اللهجة الحسانية هي وسيلة التعبير الأولى و الوحيدة من واد نون شمالا إلى نهر السنغال جنوبا . إذن يمكن اعتبار اللهجة الحسانية مظهرا من تمظهرات السيطرة العربية على المجال البيضاني .
كما ظهر إلى الوجود تراتبية اجتماعية احتفظت من خلالها كل مجموعة بميزات ميزتها عن المجموعة الأخرى ، البعض جعل هذا التقسيم يستند إلى معطيات عرقية ، و البعض الآخر إلى معطيات و ركائز وظيفية ، على كل حال وجد في المجتمع البيضاني طبقات اجتماعية عنت كل واحدة بوظيفة معينة ، محافظة على أكبر قدر ممكن من الانسجام مع الطبقة الأخرى. وهم _الطبقات الاجتماعية_ كتالي:
المحاربين: تحتكر هذه الفئة سلطة القوة ، و تعيش على ما تدفعه لها الفئات التابعة ، و أن رزقهم على أسنة رماحهم ، إذ جعلوها ديدنا يربون عليها أطفالهم ، و هذه الفئة نفسها تنقسم هي الأخرى إلى تراتبية ، إذ أن المغافرة يحتلون الصدارة داخل هذه الفئة ، مما تجدر الإشارة له أيضا هو أن هذه الفئة لم تبق محصورة في إطار عرقي ضيق ، إذ نجد قبائل ذات أصول صنهاجية تنتمي لهذه الفئة ، و تضم بذلك هذه الفئة بعض قبائل لمتونة كإداوعيش ، و تنقسم حسان بأرض شنقيط إلى أربعة أقسام و هم أولاد يحيى بن عثمان سكان أدرار ، , إدوعيش سكان تكانت ، و الترارزة سكان القبلة ، و البراكنة..
الزوايا: بتسكين الزاي ، يقول صاحب الوسيط معرفا هذه الفئة ، و هو المطلع على خبايا الأمور و تاريخ المنطقة ، بحكم الانتماء " إن لفظة الزوايا صار علما على قبائل كثيرة ، أغلب سيرها في تعلم العلم و تعليمه ، و تعمير الأرض بحفر الآبار و تسيير القوافل ، و قرى الضيف " ، و يبدوا هذا الدور الذي تلعبه هذه الفئة أكثر نبلا ، و شرف لا يضاهيه شرف ، إذ كانوا حملة العلم و الدين في هذه البلاد قاطبة قديما و حديثا ، لا ينازعهم في ذلك طائفة من طوائفها و يضيف صاحب الوسيط في ذكر شيمهم " و يحمد من أمرهم عدم شهادة الزور ، و التحرج من مال الغير، و التعليم و الإمامة يكونان مجانا عندهم " ، و مما يعاب عليهم حسب نفس المصدر " و من العجيب أن الزوايا على ديانتهم و علمهم ، أهل حقد على بعضهم ، فترى القبيلة إذا وقعت حرب بينهما لا تنمحي أضغانها من الصدور.
قد تكون هذه الشهادة من الحقائق التاريخية التي منعت الزوايا من التكتل من جديد بعد مغامرة ناصر الدين ، و من بين قبائل الزوايا نجد قبيلة كنتة صاحبة المكانة المميزة داخل فئة الزوايا ، لما لعبته كما أبرزنا من أدوار هامة تروم خدمة مشروع ديني محض . مما تجدر الإشارة إليه و عند القيام بنظرة خاطفة للمجال البيضاني و تموقع الإمارات المغفرية به أو المتغفرة ، نلحظ أن قبائل الزوايا المتواجدة تحت نفوذها ضعيفة ، و غير ذات شوكة ، بينما إذا تتبعنا مناطق نفوذ قبائل الزوايا القوية كتجكانت و كنتة ، نجدها غير خاضعة لنفوذ أي إمارة مغفرية و لعل السبب يرجع إلى " أن زوايا القبلة ( الواقعة تحت النفوذ المغفري ) أفرغوا جذوة حدتهم في معارك شر ببة و معارك أخرى دارت بينهم ، فكانوا بعدئذ حروبهم جدال و مناظرة ، لقد حلت الكلمة عندهم محل الفعل العنيف" ، و بالتالي يمكن أن نميز في فئة الزوايا بين نموذجين اثنين من القبائل ، فئة خضعت للمغافرة و أصبحت تحت حكمهم بحكم الموقع الجغرافي ، مسلمة لهم بالسلطة السياسية ، و فئة لم تخضع لاحد، بل كانت الند للند ، تتمسك بدورها الديني ، لكنها في نفس الوقت مستعدة للدفاع عن نفسها أمام أي طارئ.
شكل إذن المحاربين و الزوايا رأس المجتمع البيضاني ، إن على المستوى السياسي أو الإجتماعي، مستمدين ذلك من القوة العسكرية بالنسبة لحسان ، و القوة الدينية بالنسبة للزوايا ، مما جعل باقي الفئات تقع تحت سيطرة هاتين الفئتين.
الفئات الغارمة: و تتكون من مجموعة من الفئات بداية بـزناكة و هم أحسن حظا ، و أرفع شأنا من باقي الفئات ، و يبدوا من الاسم أنه اللفظة القديمة لصنهاجة ، تهتم هذه الفئة بالإنتاج الفلاحي و الحيواني ، وهي تحت سلطة الفئتين السابقتين ، زوايا أو محاربين، و لعل المثل الشعبي الحساني " ازناكي ألا تحت الركاب و لا تحت كتاب " يلخص إلى حد كبير الوضعية التي كانت تعيشها هذه الفئة ، فهذه الفئة تحت حماية قبيلة زاوية ، أو تحت هيبة قبيلة محاربة، إذ سخرتها الفئتين السابقتين للرعاية و تنمية الماشية ، و ينقسمون ( زناكة ) إلى ثلاث طبقات أعلاها اللحمة التي تفيد كثرة المال و حسن الخلق ، و أزناكة التي يعتبر أصحابها أقل مالا و أقل خلقا ، أما الرعيان فهم غير المالكين و كل عملهم بالأجرة ، و يمكن القول أن هذه الفئة شكلت عصب الحياة الاقتصادية لما تقدمه من خدمات للمجتمع البيضاني ، و داخل الفئات الغارمة نجد كذلك أربع فئات أخرى إلى جانب زناكة، منهم الحراطين الذين يهتمون بالمجال الزراعي على وجه الخصوص ، و هم سود البشرة لكنهم ليسوا عبيد ، أو يمكن أن يكونوا عبيد محررين ، لم تحض هذه الفئة بما تستحقه من الدراسة ، إذ يمكن أن تفك الغموض حول الأصول السوداء للمنطقة ، خصوصا و أن هذه الفئة تنتشر شمالا إلى حدود واحات المغرب الشرقي ، فهل هذه الفئة تمثل العنصر الزنجي الذي نزح منذ فترات متقدمة من التاريخ و عمر هذه الأرض ، إلى حدود وصول القبائل الأمازيغية و بعدها القبائل العربية ؟ ، مما جعلها تنكمش و تنحصر في الواحات و المناطق الفلاحية ، قد يحتاج هذا لسنوات من البحث و التنقيب .
و تأتي خلف فئة الحراطين فئة المعلمين و هم الصناع التقليديون ، المهتمون بالصناعة ، مثل صنع الأواني المنزلية ، و الأدوات الحربية ، كما تأتي فئة إكاون ، و هم مطربوا و شعراء حسان، و خلف هؤلاء تأتي فئة العبيد ، و إسمهم يغني عن الشرح و التفصيل.
على المستوى الاجتماعي أول تحول وقع هو أن الانتساب للعرب أصبح من دواعي الفخر و الاعتزاز ، إذ الملاحظ هو لجوء القبائل الصنهاجية الامازيغية لإعادة كتابة مشجرات أنسابها لأن النسب ،الجديد أصبح هو النسب الأكثر حظوة ، كما ترسخت عقب ذلك اللغة العربية ، لأن ثقافة الغالب غالبا ما تصبح ثقافة المغلوب مع مرور الوقت ، فأصبحت اللهجة الحسانية هي وسيلة التعبير الأولى و الوحيدة من واد نون شمالا إلى نهر السنغال جنوبا . إذن يمكن اعتبار اللهجة الحسانية مظهرا من تمظهرات السيطرة العربية على المجال البيضاني .
كما ظهر إلى الوجود تراتبية اجتماعية احتفظت من خلالها كل مجموعة بميزات ميزتها عن المجموعة الأخرى ، البعض جعل هذا التقسيم يستند إلى معطيات عرقية ، و البعض الآخر إلى معطيات و ركائز وظيفية ، على كل حال وجد في المجتمع البيضاني طبقات اجتماعية عنت كل واحدة بوظيفة معينة ، محافظة على أكبر قدر ممكن من الانسجام مع الطبقة الأخرى. وهم _الطبقات الاجتماعية_ كتالي:
المحاربين: تحتكر هذه الفئة سلطة القوة ، و تعيش على ما تدفعه لها الفئات التابعة ، و أن رزقهم على أسنة رماحهم ، إذ جعلوها ديدنا يربون عليها أطفالهم ، و هذه الفئة نفسها تنقسم هي الأخرى إلى تراتبية ، إذ أن المغافرة يحتلون الصدارة داخل هذه الفئة ، مما تجدر الإشارة له أيضا هو أن هذه الفئة لم تبق محصورة في إطار عرقي ضيق ، إذ نجد قبائل ذات أصول صنهاجية تنتمي لهذه الفئة ، و تضم بذلك هذه الفئة بعض قبائل لمتونة كإداوعيش ، و تنقسم حسان بأرض شنقيط إلى أربعة أقسام و هم أولاد يحيى بن عثمان سكان أدرار ، , إدوعيش سكان تكانت ، و الترارزة سكان القبلة ، و البراكنة..
الزوايا: بتسكين الزاي ، يقول صاحب الوسيط معرفا هذه الفئة ، و هو المطلع على خبايا الأمور و تاريخ المنطقة ، بحكم الانتماء " إن لفظة الزوايا صار علما على قبائل كثيرة ، أغلب سيرها في تعلم العلم و تعليمه ، و تعمير الأرض بحفر الآبار و تسيير القوافل ، و قرى الضيف " ، و يبدوا هذا الدور الذي تلعبه هذه الفئة أكثر نبلا ، و شرف لا يضاهيه شرف ، إذ كانوا حملة العلم و الدين في هذه البلاد قاطبة قديما و حديثا ، لا ينازعهم في ذلك طائفة من طوائفها و يضيف صاحب الوسيط في ذكر شيمهم " و يحمد من أمرهم عدم شهادة الزور ، و التحرج من مال الغير، و التعليم و الإمامة يكونان مجانا عندهم " ، و مما يعاب عليهم حسب نفس المصدر " و من العجيب أن الزوايا على ديانتهم و علمهم ، أهل حقد على بعضهم ، فترى القبيلة إذا وقعت حرب بينهما لا تنمحي أضغانها من الصدور.
قد تكون هذه الشهادة من الحقائق التاريخية التي منعت الزوايا من التكتل من جديد بعد مغامرة ناصر الدين ، و من بين قبائل الزوايا نجد قبيلة كنتة صاحبة المكانة المميزة داخل فئة الزوايا ، لما لعبته كما أبرزنا من أدوار هامة تروم خدمة مشروع ديني محض . مما تجدر الإشارة إليه و عند القيام بنظرة خاطفة للمجال البيضاني و تموقع الإمارات المغفرية به أو المتغفرة ، نلحظ أن قبائل الزوايا المتواجدة تحت نفوذها ضعيفة ، و غير ذات شوكة ، بينما إذا تتبعنا مناطق نفوذ قبائل الزوايا القوية كتجكانت و كنتة ، نجدها غير خاضعة لنفوذ أي إمارة مغفرية و لعل السبب يرجع إلى " أن زوايا القبلة ( الواقعة تحت النفوذ المغفري ) أفرغوا جذوة حدتهم في معارك شر ببة و معارك أخرى دارت بينهم ، فكانوا بعدئذ حروبهم جدال و مناظرة ، لقد حلت الكلمة عندهم محل الفعل العنيف" ، و بالتالي يمكن أن نميز في فئة الزوايا بين نموذجين اثنين من القبائل ، فئة خضعت للمغافرة و أصبحت تحت حكمهم بحكم الموقع الجغرافي ، مسلمة لهم بالسلطة السياسية ، و فئة لم تخضع لاحد، بل كانت الند للند ، تتمسك بدورها الديني ، لكنها في نفس الوقت مستعدة للدفاع عن نفسها أمام أي طارئ.
شكل إذن المحاربين و الزوايا رأس المجتمع البيضاني ، إن على المستوى السياسي أو الإجتماعي، مستمدين ذلك من القوة العسكرية بالنسبة لحسان ، و القوة الدينية بالنسبة للزوايا ، مما جعل باقي الفئات تقع تحت سيطرة هاتين الفئتين.
الفئات الغارمة: و تتكون من مجموعة من الفئات بداية بـزناكة و هم أحسن حظا ، و أرفع شأنا من باقي الفئات ، و يبدوا من الاسم أنه اللفظة القديمة لصنهاجة ، تهتم هذه الفئة بالإنتاج الفلاحي و الحيواني ، وهي تحت سلطة الفئتين السابقتين ، زوايا أو محاربين، و لعل المثل الشعبي الحساني " ازناكي ألا تحت الركاب و لا تحت كتاب " يلخص إلى حد كبير الوضعية التي كانت تعيشها هذه الفئة ، فهذه الفئة تحت حماية قبيلة زاوية ، أو تحت هيبة قبيلة محاربة، إذ سخرتها الفئتين السابقتين للرعاية و تنمية الماشية ، و ينقسمون ( زناكة ) إلى ثلاث طبقات أعلاها اللحمة التي تفيد كثرة المال و حسن الخلق ، و أزناكة التي يعتبر أصحابها أقل مالا و أقل خلقا ، أما الرعيان فهم غير المالكين و كل عملهم بالأجرة ، و يمكن القول أن هذه الفئة شكلت عصب الحياة الاقتصادية لما تقدمه من خدمات للمجتمع البيضاني ، و داخل الفئات الغارمة نجد كذلك أربع فئات أخرى إلى جانب زناكة، منهم الحراطين الذين يهتمون بالمجال الزراعي على وجه الخصوص ، و هم سود البشرة لكنهم ليسوا عبيد ، أو يمكن أن يكونوا عبيد محررين ، لم تحض هذه الفئة بما تستحقه من الدراسة ، إذ يمكن أن تفك الغموض حول الأصول السوداء للمنطقة ، خصوصا و أن هذه الفئة تنتشر شمالا إلى حدود واحات المغرب الشرقي ، فهل هذه الفئة تمثل العنصر الزنجي الذي نزح منذ فترات متقدمة من التاريخ و عمر هذه الأرض ، إلى حدود وصول القبائل الأمازيغية و بعدها القبائل العربية ؟ ، مما جعلها تنكمش و تنحصر في الواحات و المناطق الفلاحية ، قد يحتاج هذا لسنوات من البحث و التنقيب .
و تأتي خلف فئة الحراطين فئة المعلمين و هم الصناع التقليديون ، المهتمون بالصناعة ، مثل صنع الأواني المنزلية ، و الأدوات الحربية ، كما تأتي فئة إكاون ، و هم مطربوا و شعراء حسان، و خلف هؤلاء تأتي فئة العبيد ، و إسمهم يغني عن الشرح و التفصيل.
رد: إمارة العروسيين بارض الكَبلة والسودان الغربي
بارك الله فيك أخي أحمد سالم داهي وجزاك الله عنا كل الخير...إن ماتقدمه من معلومات قيمة قد فتح عقلونا وقلوبنا وجعلنا في لهفة من أمرنا لمعرفة المزيد والمزيد من تاريخ قبيلتنا...فكم من شبابنا اليوم يجهل تاريخ أجداده، ولو اطلع على تاريخ أجداده لا إفتخر واعتز بنفسه قبل غيره...
سيدأحمد المباركي- أعروسي(ة) وفي(ة)
- عدد المساهمات : 24
مواضيع مماثلة
» إمارة الترارزة وفضل العروسيين عليها
» شجرة العبد الضعيف الي ربه لعروسي عبد الحكيم من الجنوب الغربي للجزائر
» العروسيين
» هل حقا زمن العروسيين اندثر؟؟
» كاف في مدح قبيلة العروسيين
» شجرة العبد الضعيف الي ربه لعروسي عبد الحكيم من الجنوب الغربي للجزائر
» العروسيين
» هل حقا زمن العروسيين اندثر؟؟
» كاف في مدح قبيلة العروسيين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى