محمود درويش هنا 2
صفحة 1 من اصل 1
محمود درويش هنا 2
لماذا تركت الحصان وحيداً..؟
إلى أين تأخذني يا أبي؟
إلى جهة الريح يا ولدي …
… وهما يخرجان من السهل ، حيث
أقام جنود بونابرت تلاً لرصد
الظلال على سور عكا القديم ـ
يقول أبٌ لابنه: لا تخف. لا
تخفْ من أزيز الرصاص ! التصقْ
بالتراب لتنجو! سننجو ونعلو على
جبل في الشمال ، ونرجع حينَ
يعود الجنود إلى أهلهم في البعيدِ
ـ ومن يسكن البيت من بعدنا
يا أبي ؟
ـ سيبقى على حاله مثلما كان
يا ولدي !
تحسس مفتاحه مثلما يتحسس
أعضاءه ، واطمئن. وقال لهُ
وهما يعبران سياجاً من الشوك :
يا ابني تذكّرْ! هنا صلب الإنجليزُ
أباك على شوك صبارة ليلتين،
ولم يعترف أبداً. سوف تكبر يا
ابني، وتروي لمن يرثون بنادقهم
سيرة الدم فوق الحديدِ …
ـ لماذا تركت الحصان وحيداً؟
ـ لكي يؤنس البيت ، يا ولدي ،
فالبيوت تموت إذا غاب سكانها …
تفتح الأبدية أبوابها من بعيدٍ ،
لسيارة الليل. تعوي ذئاب
البراري على قمر خائف. ويقول
أب لابنه: كن قوياً كجدّك!
واصعد معي تلة السنديان الأخيرة
يا ابني، تذكّر: هنا وقع الانكشاريّ
عن بغلة الحرب ، فاصمد معي
لنعودَ
ـ متى يا أبي ؟
ـ غداً. ربما بعد يومين يا ابني!
وكان غدٌ طائشٌ يمضغ الريح
خلفهما في ليالي الشتاء الطويلة
وكان جنود يهوشع بن نون يبنون
قلعتهم من حجارة بيتهما. وهما
يلهثان على درب (قانا): هنا
مر سيدنا ذات يوم. هنا
جعل الماء خمراً. وقال كلاماً
كثيراً عن الحب، يا ابني تذكّر
غداً. وتذكر قلاعاً صليبية
قضمتها حشائش نيسان بعد
رحيل الجنود …
محمود درويش
إلى أين تأخذني يا أبي؟
إلى جهة الريح يا ولدي …
… وهما يخرجان من السهل ، حيث
أقام جنود بونابرت تلاً لرصد
الظلال على سور عكا القديم ـ
يقول أبٌ لابنه: لا تخف. لا
تخفْ من أزيز الرصاص ! التصقْ
بالتراب لتنجو! سننجو ونعلو على
جبل في الشمال ، ونرجع حينَ
يعود الجنود إلى أهلهم في البعيدِ
ـ ومن يسكن البيت من بعدنا
يا أبي ؟
ـ سيبقى على حاله مثلما كان
يا ولدي !
تحسس مفتاحه مثلما يتحسس
أعضاءه ، واطمئن. وقال لهُ
وهما يعبران سياجاً من الشوك :
يا ابني تذكّرْ! هنا صلب الإنجليزُ
أباك على شوك صبارة ليلتين،
ولم يعترف أبداً. سوف تكبر يا
ابني، وتروي لمن يرثون بنادقهم
سيرة الدم فوق الحديدِ …
ـ لماذا تركت الحصان وحيداً؟
ـ لكي يؤنس البيت ، يا ولدي ،
فالبيوت تموت إذا غاب سكانها …
تفتح الأبدية أبوابها من بعيدٍ ،
لسيارة الليل. تعوي ذئاب
البراري على قمر خائف. ويقول
أب لابنه: كن قوياً كجدّك!
واصعد معي تلة السنديان الأخيرة
يا ابني، تذكّر: هنا وقع الانكشاريّ
عن بغلة الحرب ، فاصمد معي
لنعودَ
ـ متى يا أبي ؟
ـ غداً. ربما بعد يومين يا ابني!
وكان غدٌ طائشٌ يمضغ الريح
خلفهما في ليالي الشتاء الطويلة
وكان جنود يهوشع بن نون يبنون
قلعتهم من حجارة بيتهما. وهما
يلهثان على درب (قانا): هنا
مر سيدنا ذات يوم. هنا
جعل الماء خمراً. وقال كلاماً
كثيراً عن الحب، يا ابني تذكّر
غداً. وتذكر قلاعاً صليبية
قضمتها حشائش نيسان بعد
رحيل الجنود …
محمود درويش
رد: محمود درويش هنا 2
لوصف زهر اللوز
لوصف زهر اللوز، لا موسوعة الأزهار
تسعفني، ولا القاموس يسعفني...
سيخطفني الكلام إلى أحابيل البلاغة
والبلاغة تجرح المعنى وتمدح جرحه،
كمذكر يملي على الأنثى مشاعرها
فكيف يشع زهر اللوز في لغتي أنا
وأنا الصدى؟
وهو الشفيف كضحكة مائية نبتت
على الأغصان من خفر الندى...
وهو الخفيف كجملة بيضاء موسيقية...
وهو الضعيف كلمح خاطرة
تطل على أصابعنا
ونكتبها سدى
وهو الكثيف كبيت شعر لا يدون
بالحروف
لوصف زهر اللوز تلمزني زيارات إلى
اللاوعي ترشدني إلى أسماء عاطفة
معلقة على الأشجار. ما اسمه؟
ما اسم هذا الشيء في شعرية اللاشيء؟
يلزمني اختراق الجاذبية والكلام،
لكي أحس بخفة الكلمات حين تصير
طيفا هامسا فأكونها وتكونني
شفافة بيضاء
لا وطن ولا منفى هي الكلمات،
بل ولع البياض بوصف زهر اللوز
لا ثلج ولا قطن فما هو في
تعاليه على الأشياء والأسماء
لو نجح المؤلف في كتابة مقطع ٍ
في وصف زهر اللوز، لانحسر الضباب
عن التلال، وقال شعب كامل:
هذا هوَ
هذا كلام نشيدنا الوطني!
محمود درويش
رد: محمود درويش هنا 2
لي حكمة المحكوم بالإعدام
ليَ حكمةُ المحكوم بالإعدامِ:
لا أشياءَ أملكُها لتملكني،
كتبتُ وصيَّتي بدمي:
"ثِقُوا بالماء يا سُكّان أُغنيتي!"
ونِمْتُ مُضرّجاً ومتوَّجاً بغدي...
حلِمْتُ بأنّ قلب الأرض أكبرُ
من خريطتها،
وأوضحُ من مراياها ومِشْنَقتي.
وهِمْتُ بغيمةٍ بيضاء تأخذني
الى أعلى
كأنني هُدْهُدٌ، والريحُ أجنحتي.
وعند الفجر، أَيقظني
نداءُ الحارس الليليِّ
من حُلْمي ومن لغتي:
ستحيا ميتةً أخرى،
فعدِّلْ في وصيّتك الأخيرة،
قد تأجَّل موعدُ الإعدام ثانيةً
سألت: الى متى؟
قال: أنتظر لتموت أكثر
قلتُ: لا أشياء أملكها لتملكني
كتبتُ وصيّتي بدمي:
"ثِقُوا بالماء
يا سُكّان أغنيتي!"
وأنا، وإن كنت الأخير
وأنا، وإن كُنْتُ الأخيرَ،
وجدْتُ ما يكفي من الكلماتِ...
كلُّ قصيدةٍ رسمٌ
سأرسم للسنونو الآن خارطةَ الربيعِ
وللمُشاة على الرصيف الزيزفون
وللنساء اللازوردْ...
وأنا، سيحمِلُني الطريقُ
وسوف أحملُهُ على كتفي
الى أن يستعيدَ الشيءُ صورتَهُ،
كما هي،
واسمَه الأصليّ في ما بعد/
كلُّ قصيدة أُمٌّ
تفتش للسحابة عن أخيها
قرب بئر الماء:
"يا ولدي! سأعطيك البديلَ
فإنني حُبْلى..."/
وكُلُّ قصيدة حُلمٌ:
"حَلِمْتُ بأنّ لي حلماً"
سيحملني وأحملُهُ
الى أن أكتب السطر الأخيرَ
على رخام القبرِ:
"نِمْتُ... لكي أطير"
... وسوف أحمل للمسيح حذاءَهُ الشتويَّ
كي يمشي، ككُلِّ الناس،
من أعلى الجبال... الى البحيرة
محمود درويش
رد: محمود درويش هنا 2
ليس للكردي إلا الريح
يتذكر الكرديُّ حين أزوره ، غده ..
فيبعده بمكنسة الغبار : إليك عني !
فالجبال هي الجبال. ويشرب الفودكا
لكي يبقى الخيال على الحياد: أنا
المسافر في مجازي، و الكراكيّ الشقية
إخوتي الحمقى. وينفض عن هويته
الظلال: هويتي لغتي. أنا.. و أنا.
أنا لغتي. أنا المنفي في لغتي.
وقلبي جمرة الكردي فوق جباله الزرقاء ../
كل مدينة أخرى. على دراجة
حمل الجهات، وقال: أسكن أينما
وقعت بي الجهة الأخيرة. هكذا
اختارَ الفراغ ونام. لم يحلم
بشيء منذ حل الجن في كلماته،
(كلماته عضلاته. عضلاته لكمانه)
فالحالمون يقدسون الأمسَ، أو
يرشون بواب الغد الذهبي..
لا غد لي ولا أمس. الهنيهة
ساحتي البيضاء../
منزله نظيف مثل عين الديك ..
منسيّ كخيمة سيد القوم الذين
تبعثروا كالريش. سجاد من الصوف
المجعد. معجمٌ متآكل. كتب مجلدة
على عجل. مخدات مطرزة بإبرة
خادم المقهى. سكاكين مجلخة لذبح
الطير و الخنزير. فيديو للاباحيات.
باقات من الشوك المعادل للبلاغة.
شرفة مفتوحة للاستعارة. ها هنا
يتبادل الأتراك والإغريق أدوار
الشتائم. تلك تسليتي وتسلية
الجنود الساهرين على حدود فكاهة
سوداء../
ليس مسافرا هذا المسافر، كيفما اتفق..
الشمال هو الجنوب، الشرق غربٌ
في السراب. ولا حقائب للرياح،
ولا وظيفة للغبار. كأنه يخفي
الحنين الى سواه، فلا يغني .. لا
يغني حين يدخل ظله شجر الأكاسيا،
أو يبلل شعره مطر خفيف..
بل يناجي الذئب، يسأله النزال :
تعال يا ابن الكلب نقرع طبل
هذا الليل حتى نوقظ الموتى. فإن
الكرد يقتربون من نار الحقيقة،
ثم يحترقون مثل فراشة الشعراء/
يعرف ما يريد من المعاني. كلها
عبثٌ. وللكلمات حيلتها لصيد نقيضها،
عبثاً. يفضّ بكارة الكلمات ثم يعيدها
بكراً الى قاموسه. ويسوس خيل
الأبجدية كالخراف الى مكيدته، ويحلق
عانة اللغة : انتقمت من الغياب.
فعلتُ ما فعل الضبابُ بإخوتي.
وشويت قلبي كالطريدة.
لن أكون كما أريد. ولن أحب الأرض أكثر
أو أقل من القصيدة. ليس
للكردي إلا الريح تسكنه ويسكنها.
وتدمنه ويدمنها، لينجو من
صفات الأرض والأشياء ../
كان يخاطب المجهول: يا ابني الحر !
يا كبش المتاه السرمدي. إذا رأيتَ
أباك مشنوقاً فلا تنزله عن حبل
السماء، ولا تكفنه بقطن نشيدك
الرعوي. لا تدفنه يا ابني، فالرياح
وصية الكردي للكردي في منفاه،
يا ابني .. و النسور كثيرة حولي
وحولك في الأناضول الفسيح.
جنازتي سرية رمزيةٌ، فخذ الهباءَ
الى مصائره، وجر! سماءك الأولى
الى قاموسك السحري. واحذر
لدغة الأمل الجريح، فإنه وحشٌ
خرافيٌ. وأنت الآن .. أنت الآن
حرّ، يا ابن نفسك، أنت حرَ
من أبيك ولعنة الأسماء../
باللغة انتصرتَ على الهوية
قلتُ للكردي، باللغة انتقمتَ
من الغياب
فقال : لن أمضي الى الصحراء
قلت ولا أنا..
ونظرتُ نحو الريح/
- عمتَ مساء
- عم مساء!
محمود درويش
رد: محمود درويش هنا 2
ليلٌ يفيض من الجسد
ياسمينٌ على ليل تمّوز، أغنيّةٌ
لغريبين يلتقيان على شارعٍ
لا يؤدّي إلى هدفٍ ...
من أنا بعد عينين لوزيّتين? يقول الغريب
من أنا بعد منفاك فيّ? تقول الغريبة.
إذن، حسنًا، فلنكن حذرين لئلا
نحرّك ملح البحار القديمة في جسدٍ يتذكّر...
كانت تعيد له جسدًا ساخنًا،
ويعيد لها جسدًا ساخنًا.
هكذا يترك العاشقان الغريبان حبّهما فوضويًّا،
كما يتركان ثيابهما الداخليّة بين زهور الملاءات...
- إن كنت حقًا حبيبي، فألّف
نشيد أناشيد لي، واحفر اسمي
على جذع رمّانةٍ في حدائق بابل...
- إن كنت حقًا تحبّينني، فضعي
حلمي في يديّ. وقولي له، لابن مريم،
كيف فعلت بنا ما فعلت بنفسك،
يا سيّدي? هل لدينا من العدل ما سوف
يكفي ليجعلنا عادلين غدًا?
- كيف أشفى من الياسمين غدًا ؟
- كيف أشفى من الياسمين غدًا ؟
يعتمان معًا في ظلالٍ تشعّ على
سقف غرفته: لا تكن معتمًا
بعد نهديّ - قالت له ...
قال: نهداك ليلٌ يضيء الضروريّ
نهداك ليلٌ يقبّلني. وامتلأنا أنا
والمكان بليلٍ يفيض من الكأس ...
تضحك من وصفه. ثم تضحك أكثر
حين تخبّئ منحدر الليل في يدها...
- يا حبيبي، لو كان لي
أن أكون صبيًّا... لكنتك أنت
- ولو كان لي أن أكون فتاةً
لكنتك أنت!...
وتبكي، كعادتها، عند عودتها
من سماءٍ نبيذيّة اللون: خذني
إلى بلدٍ ليس لي طائرٌ أزرقٌ
فوق صفصافة يا غريب!
وتبكي، لتقطع غاباتها في الرحيل
الطويل إلى ذاتها: من أنا ؟
من أنا بعد منفاك في جسدي ؟
آه منّي، ومنك، ومن بلدي
- من أنا بعد عينين لوزيّتين ؟
أريني غدي!...
هكذا يترك العاشقان وداعهما
فوضويًّا، كرائحة الياسمين على ليل تمّوز...
في كلّ تمّوز يحملني الياسمين إلى
شارع، لا يؤدّي إلى هدفٍ،
بيد أني أتابع أغنيّتي:
ياسمينٌ على ليل تمّوز......
محمود درويش
رد: محمود درويش هنا 2
مقهى وأنت مع الجريدة
مقهى، وأنت مع الجريدة جالس
لا، لست وحدك. نصف كأسك فارغ
والشمس تملأ نصفها الثاني ...
ومن خلف الزجاج تري المشاة المسرعين
ولا تُرى [إحدي صفات الغيب تلك:
ترى ولكن لا تُرى]
كم أنت حر أيها المنسي في المقهى!
فلا أحدٌ يرى أثر الكمنجة فيك،
لا أحدٌ يحملقُ في حضورك أو غيابك،
أو يدقق في ضبابك إن نظرت
إلى فتاة وانكسرت أمامها..
كم أنت حر في إدارة شأنك الشخصي
في هذا الزحام بلا رقيب منك أو
من قارئ!
فاصنع بنفسك ما تشاء، إخلع
قميصك أو حذاءك إن أردت، فأنت
منسي وحر في خيالك، ليس لاسمك
أو لوجهك ههنا عمل ضروريٌ. تكون
كما تكون ... فلا صديق ولا عدو
يراقب هنا ذكرياتك /
فالتمس عذرا لمن تركتك في المقهى
لأنك لم تلاحظ قَصَّة الشَّعر الجديدة
والفراشات التي رقصت علي غمازتيها /
والتمس عذراً لمن طلب اغتيالك،
ذات يوم، لا لشيء... بل لأنك لم
تمت يوم ارتطمت بنجمة.. وكتبت
أولى الأغنيات بحبرها...
مقهى، وأنت مع الجريدة جالسٌ
في الركن منسيّا، فلا أحد يهين
مزاجك الصافي،
ولا أحدٌ يفكر باغتيالك
كم انت منسيٌّ وحُرٌّ في خيالك!
محمود درويش
رد: محمود درويش هنا 2
من نشيد الإنشاد
خرجت أطلب في الليل من أحبته نفسي
وضعت وشمي علي جبهتي، وضَمَّخت رأسي
قابلني العسس الساري في هواء المدينة ْ
فشق صدري وأبقي قلبي لديه رهينة ْ
بالله يا من ستَلقي
في ذات يوم حبيبي
أخبرهُ أني انتظرتْ
إلي الصباحِ.. ومِتْ
محمود درويش
رد: محمود درويش هنا 2
نسرٌ على ارتفاع منخفض
قال المسافر في القصيدة
للمسافر في القصيدة:
كم تبقَّى من طريقك؟
-كله
-فاذهب إذاً، واذهب
كأنك قد وصلت...ولم تصل
-لولا الجهات، لكان قلبي هدهداً
-لو كان قلبك هدهداً لتبعته
-من أنت؟ ما اسمك؟
-لا اسم لي في رحلتي
-أأراك ثانية؟
-نعم. في قمتي جبلين بينهما
صدى عال وهاوية... أراك
-وكيف نقفز فوق هاوية
ولسنا طائرين؟
-إذن نغني:
من يرانا لا نراه
ومن نراه لا يرانا
-ثم ماذا؟
-لا نغني
-ثم ماذا؟
-ثم تسألني وأسأل:
كم تبقى من طريقك؟
-كله
-هل كله يكفي لكي يصل المسافر؟
-لا. ولكني أرى نسراً خرافياً
يحلق فوقنا... وعلى ارتفاع منخفض!
محمود درويش
رد: محمود درويش هنا 2
هكذا قالت الشجرة المهملة
خارج الطقس ،
أو داخل الغابة الواسعة
وطني.
هل تحسّ العصافير أنّي
لها
وطن ... أو سفر ؟
إنّني أنتظر ...
في خريف الغصون القصير
أو ربيع الجذور الطويل
زمني.
هل تحسّ الغزالة أنّي
لها
جسد ... أو ثمر ؟
إنّني أنتظر ...
في المساء الذي يتنزّه بين العيون
أزرقا ، أخضرا ، أو ذهب
بدني
هل يحسّ المحبّون أنّي
لهم
شرفة ... أو قمر ؟
إنّني أنتظر ...
في الجفاف الذي يكسر الريح
هل يعرف الفقراء
أنّني
منبع الريح ؟ هل يشعرون بأنّي
لهم
خنجر ... أو مطر ؟
أنّني أنتظر ...
خارج الطقس ،
أو داخل الغابة الواسعة
كان يهملني من أحب
و لكنّني
لن أودّع أغصاني الضائعة
في رخام الشجر
إنّني أنتظر ...
محمود درويش
رد: محمود درويش هنا 2
هنالك عرس
هنالك عرسٌ علي بعد بيتين
فلا تغلقوا الباب لا تحجبوا نزوة
الفرح الشاذ عنا فإن ذبلت وردة
لا يحس الربيع بواجبه في البكاء
وإن صمت العندليب المريض أعار الكناري
حصته في الغناء وإن وقعت نجمة
لا تصاب السماء بسوء
هنالك عرس
فلا تغلقوا الباب في وجه هذا الهواء
المضمخ بالزنجبيل وخوخ العروس التي
تنضج الآن (تبكي وتضحك كالماء.
لا جرح في الماء. لا أثر لدم
سال في الليل(
قيل: قوي هو الحب كالموت!
قلت: ولكن شهوتنا للحياة
ولو خذلتنا البراهين أقوي من
الحب والموت/
فلننه طقس جنازتنا كي نشارك
جيراننا في الغناء
الحياة بديهية .. وحقيقية كالهباء
محمود درويش
رد: محمود درويش هنا 2
هو لا غيره
هو، لا غيره، من ترجل عن نجمة
لم تصبه بأيّ أذى.
قال: أسطورتي لن تعيش طويلاً
ولا صورتي في مخيلة الناس /
فلتمتحني الحقيقة
قلت له: إن ظهرت انكسرت، فلا تنكسر
قال لي حُزْنُهُ النَّبٌَّوي: إلي أين أذهب؟
قلت إلى نجمة غير مرئية
أو إلى الكهف/
قال يحاصرني واقع لا أجيد قراءته
قلت دوّن إذن، ذكرياتك عن نجمة بعُدت
وغد يتلكأ، واسأل خيالك: هل
كان يعلم أن طريقك هذا طويل؟
فقال: ولكنني لا أجيد الكتابة يا صاحبي!
فسألت: كذبت علينا إذاً؟
فأجاب: على الحلم أن يرشد الحالمين
كما الوحي /
ثم تنهد: خذ بيدي أيها المستحيل!
وغاب كما تتمنى الأساطير /
لم ينتصر ليموت، ولم ينكسر ليعيش
فخذ بيدينا معاً، أيها المستحيل !
محمود درويش
رد: محمود درويش هنا 2
هو هادئٌ ، وأنا كذلك
هوَ هادئٌ، وأنا كذلك
يحتسي شاياً بليمونٍ،
وأشربُ قهوةً،
هذا هو الشيءُ المغايرُ بيننا.
هوَ يرتدي، مثلي، قميصاً واسعاً ومُخططاً
وأنا أطالعُ، مثلَهُ، صُحُفَ المساءْ.
هو لا يراني حين أنظرُ خلسةً،
أنا لا أراه حين ينظرُ خلسةً،
هو هادئٌ، وأنا كذلك.
يسألُ الجرسون شيئاً،
أسألُ الجرسونَ شيئاً...
قطةٌ سوداءُ تعبُرُ بيننا،
فأجسّ فروةَ ليلها
ويجسُّ فروةَ ليلها...
أنا لا أقول لَهُ: السماءُ اليومَ صافيةٌ
وأكثرُ زرقةً.
هو لا يقول لي: السماءُ اليوم صافيةٌ.
هو المرئيُّ والرائي
أنا المرئيُّ والرائي.
أحرِّكُ رِجْليَ اليُسرى
يحرك رجلَهُ اليُمنى.
أدندنُ لحن أغنيةٍ،
يدندن لحن أغنية مشابهةٍ.
أفكِّرُ: هل هو المرآة أبصر فيه نفسي؟
ثم أنظر نحو عينيه،
ولكن لا أراهُ...
فأتركُ المقهى على عجلٍ.
أفكّر: رُبَّما هو قاتلٌ، أو رُبما
هو عابرٌ قد ظنَّ أني قاتلٌ
هو خائفٌ، وأنا كذلك!
محمود درويش
رد: محمود درويش هنا 2
وأنت تعدّ فطورك
لا تنس قوت الحمام
وأنت تخوض حروبك فكّر بغيرك
لا تنس من يطلبون السلام
وأنت تسدّد فاتورة الماء، فكّر بغيرك
من يرضعون الغمام
وانت تعود إلى البيت ، بيتك ، فكّر بغيرك
لا تنس شعب الخيام
وأنت تنام و تحصي الكواكب ، فكّر بغيرك
ثمّة من لم يجد حيّزاً للمنام
وأنت تحرّر نفسك بالاستعارات، فكّر
بغيرك
من فقدوا حقّهم في الكلام
وأنت تفكّر بالآخرين البعيدين ، فكّر
بنفسك
قل: ليتني شمعةٌ في الظلامْ
محمود درويش
رد: محمود درويش هنا 2
وعود من العاصفة
وليكن
لا بدّ لي أن أرفض الموت
وأن أحرق دمع الأغنيات الراعفةْ
وأُعري شجر الزيتون من كل الغصون الزائفة
فإذا كنت أغني للفرح
خلف أجفان العيون الخائفة
فلأن العاصفة
وعدتني بنبيذ
وبأنخاب جديدة
وبأقواس قزح
ولأن العاصفة
كنّست صوت العصافير البليدة
والغصون المستعارة
عن جذوع الشجرات الواقفة
وليكن ...
لا بد لي أن أتباهى بك يا جرح المدينة
أنت يا لوحة برق في ليالينا الحزينة
يعبس الشارع في وجهي
فتحميني من الظل ونظرات الضغينة
سأغني للفرح
خلف أجفان العيون الخائفة
منذ هبّت في بلادي العاصفة
وعدتني بنبيذ وبأقواس قزح
محمود درويش
رد: محمود درويش هنا 2
يختارني الإيقاعُ ، يشرقُ بي
أنا رَجْعُ الكمان، ولستُ عازِفَهُ
أنا في حضرة الذكرى
صدى الأشياء تنطقُ بي
...فأنطقُ كُلَّما أصغيتُ للحجرِ استمعتُ الى
هديلِ يَمامةٍ بيضاءَ
تشهَق بي:
أخي! أنا أُخْتُكَ الصُّغْرى،
فأَذرف باسمها دَمْعَ الكلامِ
وكُلَّما أَبْصَرْتُ جذْعَ الزّنْزَلخْتِ
على الطريق الى الغمامِ،
سمعتُُ قلبِ الأُمِّ
يخفقُ بي:
أنا امرأة مُطلَّقةٌ،
فألعن باسمها زيزَ الظلامِ
وكُلَّما شاهدتُ مرآةً على قمرٍ
رأيتُ الحبّ شيطاناً
يُحَمْلِقُ بي:
أنا ما زلْتُ موجوداً
ولكن لن تعود كما تركتُك
لن تعود، ولن أعودَ
فيكملُ الإيقاعُ دَوْرَتَهُ
ويشرَقُ بي...
محمود درويش
رد: محمود درويش هنا 2
يطير الحمام .. يحطُّ الحمام
يطير الحمام
يحطّ الحمام
أعدّي لي الأرض كي أستريح
فإني أحبّك حتى التعب
صباحك فاكهةٌ للأغاني وهذا المساء ذهب
ونحن لنا حين يدخل ظلٌّ إلى ظلّه في الرخام
وأشبه نفسي حين أعلّق نفسي على عنقٍ
لا تعانق غير الغمام
وأنت الهواء الذي يتعرّى أمامي كدمع العنب
وأنت بداية عائلة الموج حين تشبّث بالبرّ حين اغترب
وإني أحبّك، أنت بداية روحي، وأنت الختام
يطير الحمام
يحطّ الحمام
أنا وحبيبي صوتان في شفةٍ واحده
أنا لحبيبي أنا. وحبيبي لنجمته الشارده
وندخل في الحلم، لكنّه يتباطأ كي لا نراه
وحين ينام حبيبي أصحو لكي أحرس الحلم مما يراه
وأطرد عنه الليالي التي عبرت قبل أن نلتقي
وأختار أيّامنا بيديّ كما اختار لي وردة المائده
فنم يا حبيبي ليصعد صوت البحار إلى ركبتيّ
ونم يا حبيبي لأهبط فيك وأنقذ حلمك من شوكةٍ حاسده
ونم يا حبيبي عليك ضفائر شعري، عليك السلام
يطير الحمام
يحطّ الحمام
رأيت على البحر إبريل
قلت: نسيت انتباه يديك
نسيت التراتيل فوق جروحي
فكم مرّةً تستطيعين أن تولدي في منامي
وكم مرّةً تستطيعين أن تقتليني لأصرخ
إني أحبّك كي تستريحي
أناديك قبل الكلام أطير بخصرك قبل وصولي إليك
فكم مرّةً تستطيعين أن تضعي في مناقير هذا الحمام
عناوين روحي
وأن تختفي كالمدى في السفوح
لأدرك أنّك بابل، مصر، وشام
يطير الحمام يحطّ الحمام
إلى أين تأخذني يا حبيبي من والديّ
ومن شجري، من سريري الصغير ومن ضجري،
من مراياي من قمري، من خزانة عمري
ومن سهري، من ثيابي ومن خفري
إلى أين تأخذني يا حبيبي
إلى أين تشعل في أذنيّ البراري
تحمّلني موجتين وتكسر ضلعين، تشربني ثم توقدني،
ثم تتركني في طريق الهواء إليك
حرامٌ... حرام
يطير الحمام يحطّ الحمام
- لأني أحبك، خاصرتي نازفه
وأركض من وجعي في ليالٍ يوسّعها الخوف مما أخاف
تعالى كثيرًا، وغيبي قليلاً تعالى قليلاً، وغيبي كثيرًا
تعالى تعالى ولا تقفي، آه من خطوةٍ واقفه
أحبّك إذ أشتهيك أحبّك إذ أشتهيك وأحضن هذا الشعاع المطوّق بالنحل والوردة الخاطفه
أحبك يا لعنة العاطفه
أخاف على القلب منك، أخاف على شهوتي أن تصل
أحبّك إذ أشتهيك
أحبك يا جسدًا يخلق الذكريات ويقتلها قبل أن تكتمل
أحبك إذ أشتهيك أطوّع روحي على هيئة القدمين
- على هيئة الجنّتين أحكّ جروحي بأطراف صمتك.. والعاصفه
أموت، ليجلس فوق يديك الكلام
يطير الحمام يحطّ الحمام
لأني أحبّك (يجرحني الماء) والطرقات إلى البحر تجرحني
والفراشة تجرحني وأذان النهار على ضوء زنديك يجرحني
يا حبيبي، أناديك طيلة نومي، أخاف انتباه الكلام
أخاف انتباه الكلام إلى نحلة بين فخذيّ تبكي
لأني أحبّك يجرحني الظلّ تحت المصابيح، يجرحني طائرٌ في السماء البعيدة،
عطر البنفسج يجرحني أوّل البحر يجرحني آخر البحر يجرحني
ليتني لا أحبّك
يا ليتني لا أحبّ ليشفى الرخام
يطير الحمام يحطّ الحمام
- أراك، فأنجو من الموت.
جسمك مرفأ
بعشر زنابق بيضاء، عشر أنامل تمضي السماء
إلى أزرقٍ ضاع منها
وأمسك هذا البهاء الرخاميّ، أمسك رائحةً للحليب المخبّأ
في خوختين على مرمر
ثم أعبد من يمنح البرّ والبحر ملجأ على ضفّة الملح والعسل الأوّلين
سأشرب خرّوب ليلك ثم أنام على حنطةٍ تكسر الحقل، تكسر حتى الشهيق فيصدأ
أراك، فأنجو من الموت. جسمك مرفأ
فكيف تشرّدني الأرض في الأرض
كيف ينام المنام
يطير الحمام يحطّ الحمام
حبيبي، أخاف سكوت يديك فحكّ دمي كي تنام الفرس
حبيبي، تطير إناث الطيور إليك فخذني أنا زوجةً أو نفس
حبيبي، سأبقي ليكبر فستق صدري لديك ويجتثّني من خطاك الحرس
حبيبي، سأبكي عليك عليك عليك لأنك سطح سمائي وجسمي أرضك في الأرض
جسمي مقام
يطير الحمام يحطّ الحمام
رأيت على الجسر أندلس الحبّ والحاسّة السادسه
على وردة يابسه أعاد لها قلبها وقال: يكلفني الحبّ ما لا أحبّ يكلفني حبّها
ونام القمر على خاتم ينكسر وطار الحمام
رأيت على الجسر أندلس الحب والحاسّة السادسه
على دمعةٍ يائسه أعادت له قلبه وقالت
يكلفني الحبّ ما لا أحبّ يكلفني حبّه ونام القمر على خاتم ينكسر
وطار الحمام
وحطّ على الجسر والعاشقين الظلام
يطير الحمام يطير الحمام
محمود درويش
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى