في صحراء لوكليزيو
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
في صحراء لوكليزيو
في صحراء لوكليزيو طوارق مرتحلون وثقافات آفلة.
+ ارتبط لو كليزيو بالساقية الحمراء بعلاقة محبة ومصاهرة من خلال زوجتة الطوارقية ) يقصد أجميعة المنتمية إلى قبيلة العروسيين / شنان. (
+ في لوكليزيو شيء من المبشر وشيء من الثوري.
** ترجمة وتقديم أمل الشرقي
لم يبدأ العالم التعرف على جان ماري غوستاف لوكليزيو إلا بعد حصوله على جائزة نوبل للاداب عام .2008 لا يقتصر ذلك على قراء العربية وحدهم بل يشمل, تقريباً, القراء في كل مكان خارج أوروبا ومنهم جمهور القراءة بالانجليزية. من هنا شكل صدور الترجمة الانجليزية لروايته صحراء مؤخراً حدثاً أدبياً أثار الاهتمام والانبهار معاً.
كانت الرواية قد نشرت للمرة الاولى عام 1980 وحصلت في حينها على جائزة غونكورالفرنسية. لكن الكاتب الفرانكو- موريشيوسي لم يكن آنذاك قد لفت إليه الانظار خارج دائرة قراء الفرنسية. وهكذا كان على جمهور القراء العالمي ان ينتظر أكثر من ربع قرن لكي يتعرف على هذا العمل المميز.
تدور أحداث الرواية على مسرحين: المسرح الافريقي حيث تتابع الايام الأخيرة من حياة الطوارق أو الرجال الزرق كما يعرفون محلياً وهم يزاحون عن أراضي أجدادهم في الشمال الافريقي على يد جيش الاستعمار الفرنسي وبفعل النظام الجديد , والمسرح الفرنسي حيث تتجسد معاناة الجيل الاخير من ابناء الطوارق الذي توزع على المنافي في أحياء الصفيح في مدن مثل طنجة ومارسيليا
في الرواية شخصيتان مركزيتان هما نور الصبي الطوارقي وهو يهاجر شمالاً عبرالصحراء الغربية ضمن قافلة من عشائر البربر البدوية, و لاللا اليتيمة الطوارقية الحالمة التي تشق طريقها بنجاح في فرنسا التي هاجرت إليها. كما تضم الرواية شخصيات ثانوية تحتفظ لها بحضور مؤثر مثل شخصية الشيخ ماء العينين, تلك الشخصية التاريخية التي يبجلها أبناء القبائل ويخشاها الفرنسيون. إضافة إلى مخلوقات تكاد تكون سحرية مثل حرتاني راعي البغال الذي يستطيع محاورة الحيوانات و نعمان الصياد العجوز الممتلئ بالحكايا العجيبة, والصبي الغجري راديش الذي يتدرب على اللصوصية في شوارع مارسيليا.
لكن الحضور الذي يهيمن على الرواية هو حضور الصحراء. فهذه الارض التي يستجلبها لوكليزيو بصخورها الوعرة وحرارتها الحارقة ومتاهات كثبانها وتموجات فضائها المفتوح ليست مجرد مكان أو مسرح للاحداث. إنما هي مملكة للوجود ومصدر له بقدر ما هي أيضاً, بـ سرمديتها و تغلغلها في أجساد الرجال, حالة ذهنية.
تسير الرواية متأنية على إيقاع بطيء متتبعة المسير المضني للقافلة التي تعبر الصحراء الغربية. وما كان لها ان تحقق هذا النجاح في نقل معاناة المرتحلين لولا اسلوب لوكليزيو التفصيلي وتكراره لصور السماء والطيور والريح والضياء ولولا نثره المردد الذي يريد منه أن يحيط بالموضوع ويتشبع به كما تفعل الموسيقى. هنا, التكرار مقصود, ومموسق, والاستعارات وسيلة للاغناء والتأمل. يخرج الرجال إلى الصحراء, مثلهم كمثل السفن في البحر, لا أحد يعرف متى
في هذه الرواية, يكتب لوكليزيو عن أناس ملتصقين بالارض والبحر, منهما تأتي حكاياتهم, ومنهما يستمدون وجودهم. لكنه, وعلى صعيد آخر, يكتب عن ملحمة الطبيعة الخارقة. تعرف لوكريزيو على الطرق الصوفية, ومنها أخذ مذهب وحدة الوجود الذي يدين به. وفي هذه الرواية, كما في غيرها من أعماله, يركز على العلاقة التي تربط ما بين الارض وسائر مخلوقاتها من بشر وحيوان ونبات. إنها الدرس الذي يتلقاه القارئ من نور واكثر منه من لاللا التي تعيش في عالم أسلافها الروحاني وتقتات على رؤى الرياح المدومة والرمال السافية وعلى اتصالها بـ السر , روح المحارب الازرق, ذلك الطيف القادم من البعيد. تنسب لاللا النجاح الذي تحقق لها عند تحولها إلى عارضة أزياء عالمية عرفت باسم حواء إلى تلك الذخيرة الروحية التي ورثتها عن أسلافها الطوارق. لكنها تتخلى عن نجاحها لتعود إلى مسكنها القديم في طنجة وتنجب مولودها هناك.
يقال عن لوكليزيو أنه كاتب صعب يستعصي على التصنيف. أما هو فيعتبر ذلك من لوازم الرواية والروائي. تحمل أعماله, التي تزيد على أربعين مؤلفاً, أثر جذوره المختلطة وتقلبه في شتى الاصقاع. فقد ولد في فرنسا في عائلة عاش اجيالها المتعاقبون في جزيرة موريشيوس في المحيط الهندي. ونشأ على الاحساس بأن وطنه كائن في مكان آخر. ولعل تنقله اللاحق في افريقيا وأمريكا اللاتينية كان بحثاً عن ذلك الوطن. وجاء زواجه بـ جمعية الكاتبة المتحدرة من قبيلة العروسيين الرحالة في الصحراء الغربية ليحكم ارتباطه بالصحراء الافريقية وابنائها وهو ارتباط محبة ومصاهرة إذا جاز التعبير. وقد شاركته جمعية في وضع كتاب أهل الغيم الذي يروي رحلة الزوجين إلى الساقية الحمراء بالصحراء الغربية حيث تعيش قبيلة العروسيين. والكتاب متابعة شاعرية لحياة أهل الريح الذين يقطعون الصحراء اقتفاء للمطر. كما ان أثر تلك الرحلة ظاهر بوضوح في رواية صحراء.
أعمال لوكليزيو صادرة عن تجربة مباشرة مثلما هي صادرة عن قناعة مبدئية. وكما كانت الحال مع ألبير كامو الذي أحب الجزائر التي عاش فيها وعاش تناقض الولاء لثورتها مع الولاء لوطنه الأم فرنسا, يكتب لو كليزيو عن التجربة وعن ما يسميه تناقض التجربة مستشهداً بمعضلة كامو في الاختيار ما بين قضية الاستقلال الجزائري وحبه لوطنه الفرنسي.
استمد لو كليزيو تعاطفه الشديد مع أبناء العالم الثالث وقضاياهم من ملحمة حرب التحرير الجزائرية وما رافقها من مآس وعذابات ومن معايشته للتجربة النيجيرية ومن السنوات الاربع التي قضاها مع هنود الأمبيراس الحمر في غابات بنما. وتبلور ذلك الرصيد لديه في انحياز لابناء الثقافات المحلية واحترام لمعتقداتهم وأسلوبهم في العيش وهو ما يتجلى واضحاً في رواية صحراء التي تمجد الرجال الزرق وصحراءهم.
لدى لوكليزيو شيء من المبشر وشيء من الثوري. وفي سعيه لتعقب الاثار المدمرة للتراث الاستعماري حاول لوكليزيو التحررمن قيود اللغة والسرد ليصور عالماً أوسع و إنسانية قائمة وراء وتحت المدنية المهيمنة كما جاء في كتاب منحه جائزة نوبل. فوراء المبشر بالمذهب الطبيعي ووحدة الوجود, هناك المنتقد الناقم على الحضارة الغربية المعاصرة واسقاطاتها, الكاشف عن الصدام بين الطبيعة والمدينة, والنادم على الانفصام الذي فرق ما بين الانسان والاسطورة. في رواية صحراء يتفجر غضب عات في تصوير الكاتب للحياة السفلية في مارسيليا وظروف جحافل الضائعين الذين طوح بهم الفقر إلى فرنسا, أولئك الذين لا وجود لهم لأنهم لا يتركون وراءهم أي أثر.
لوكليزيو الذي يحمل الجنسيتين الفرنسية والموريشيوسية ويقضي معظم أيامه في نيومكسيكو, يعتبر نفسه منفياً هو الآخر ويقول أنه اختار من أول كتاباته الانحياز إلى الانسان
مقطع من الفصل الاول لرواية "صحراء"
الساقية الحمراء, شتاء عام 1909 -
وكما لو كانوا حلماً, يلوحون في أعلى الكثيب نصف مغيبين في سحابة الغبار الذي تثيره أقدامهم. على مهل يشقون طريقهم نزولاً إلى الوادي مقتفين الأثر الذي لا يكاد يرى. في مقدمة القافلة يسير الرجال ملتفعين عباءاتهم الصوفية ووجوههم مقنعة باللثام الازرق. ويسير معهم بعيران أو ثلاثة تتبعها الخراف والمعيز يسوقها الصبيان إلى أمام. في النهاية تأتي النساء, كتل ضخمة تدب تحت عباءاتها الثقيلة وقد اكتسبت جباههن وأذرعهن لوناً أغمق بفعل قماش النيلة الذي يرتدينه.
ما كان هناك من شيء آخر عداهم في الأرض, لا شيء, لا أحد. ولدوا من الصحراء, ولا طريق آخر أمامهم. لا يقولون شيئاً. لا يريدون شيئاً. كانت الريح تهب عليهم, ومن خلالهم, كما لو ان لا أحد على الكثبان. يسيرون منذ انبثاق الفجر بلا توقف, يخيم العطش والانهاك عليهم مثل غيمة من رصاص. شفاههم وألسنتهم المتشققة تجلدت واخشوشنت. فيما الجوع يقرض احشاءهم. ما كان بوسعهم الكلام. ظلوا طويلاً صامتين كالصحراء, مشبعين بنور الشمس الحارقة في كبد سماء خالية, ومتجمدين برداً مع الليل ونجومه الساكنة.
يعرف الرجال أين يضعون أقدامهم دون الاستعانة بالنظر. كما لو انهم يسلكون ممرات غير مرئية تأخذهم إلى أقاصي العزلة, إلى الليل.
أنهم رجال الرمل ونساؤه. أبناء الريح والضياء والليل. لاحوا كالحلم في أعلى الكثيب, كما لو أنهم ولدوا من سماء خالية من الغيم يحملون في جوانحهم وعورة الخلاء. حملوا معهم الجوع, وظمأ شفاههم النازفة, والصمت الصواني للشمس الساطعة, وبرد الليالي, ووهج درب التبانة, والقمر, تسير معهم ظلالهم المتطاولة عند الغروب, وتموجات الرمال العذراء التي تدوسها أقدامهم المفرطحة, والأفق بعيد المنال. وحملوا معهم, أكثر ما حملوا, تلك النظرة التي تبرق لامعة في حدقات العيون
كانوا قد غادروا منذ أسابيع وشهور منتقلين من بئر لأخرى, عابرين مجاري سيول جافة ضاعت في الرمال, سائرين في البطاح, متسلقين التلال الصخرية. في المساء, عندما تلامس الشمس خط الأفق, وتمتد ظلال الاحراش على الارض, يتوقف الرجال والماشية عن المسير. ينزل الرجال أحمال الجمال وينصبون بيوت الشعر. وتوقد النساء النار ويقمن باعداد الطعام من الدخن واللبن الرائب والزبد والتمر. يحل الليل سريعاً, وتبسط السماء الباردة خيمتها على الارض المظلمة. عندها تظهر النجوم, آلاف النجوم المعلقة بسكون في الفضاء.
العديد العديد من النجوم. امتلأت سماء الصحراء بتلك الشرارات الوامضة مع هبوب النسمات وغدوها. إنها أرض سرمدية, أرض خارج تاريخ الانسان, حيث لا يخلق فيها شيء ولا يموت, كما لو أنها خارج كل الاراضي, عند ذروة الوجود. يراقب الرجال النجوم. قليلاً ما يتحدثون. يدخنون "الكيف" ويروي بعضهم لبعض حكايات الاسفار وأخبار الحرب مع النصارى, ثم ينصتون لليل.
مضت عليهم في مسيرهم هذا شهور وربما سنوات. يتبعون دروب السماء على الارض الرملية, الدروب القادمة من درعا وتمغروت ومن عرق اغويدي ومن الشمال البعيد, دروب عدت عطا والغريز القادمة من تفيليلت التي تربط " القصور" الكبرى عند أقدام جبال الأطلس أو الدرب اللامتناهي الذي يخترق قلب الصحراء باتجاه مدينة " تومبوكتو". على الدرب يموت البعض, ويولد البعض, ويتزوج البعض.
يبدو كأن لا أسماء هنا, لا كلمات. فقد كنست الصحراء برياحها كل شيء, ومحت كل شيء. يحمل الرجال حرية الفضاء في عيونهم, وتتصلب جلودهم كالمعادن. يسطع نور الشمس في كل مكان. يموج الرمل أبيض وأصفر وبرتقالياً وبنياً كاشفاً اتجاه الريح. يغطي كل الآثار وكل العظام. يصد الضياء, ويطرد الماء والحياة بعيداً إلى حيث لا يعلم أحد. يعرف الرجال ان لا شأن للصحراء بهم, فيغذون السير دون توقف سالكين ممرات سارت عليها أقدام غير أقدامهم سعياً إلى غايات غير غاياتهم.
لكنها الارض الحرة الوحيدة, وربما الأخيرة. أرض لا مكان فيها لقوانين البشر. أرض للصخر وللريح, وللعقارب والجرابيع, لمخلوقات تعرف كيف تختبئ وتهرب عندما تتوهج حرارة الشمس وتتجمد الليالي برداً.
** منشور بصحيفة "العرب اليوم" الأردنية 8 سبتمبر 2009
المصدر: موقع محيط
http://www.moheet.com/show_news.aspx?nid=298014&pg=12
+ ارتبط لو كليزيو بالساقية الحمراء بعلاقة محبة ومصاهرة من خلال زوجتة الطوارقية ) يقصد أجميعة المنتمية إلى قبيلة العروسيين / شنان. (
+ في لوكليزيو شيء من المبشر وشيء من الثوري.
** ترجمة وتقديم أمل الشرقي
لم يبدأ العالم التعرف على جان ماري غوستاف لوكليزيو إلا بعد حصوله على جائزة نوبل للاداب عام .2008 لا يقتصر ذلك على قراء العربية وحدهم بل يشمل, تقريباً, القراء في كل مكان خارج أوروبا ومنهم جمهور القراءة بالانجليزية. من هنا شكل صدور الترجمة الانجليزية لروايته صحراء مؤخراً حدثاً أدبياً أثار الاهتمام والانبهار معاً.
كانت الرواية قد نشرت للمرة الاولى عام 1980 وحصلت في حينها على جائزة غونكورالفرنسية. لكن الكاتب الفرانكو- موريشيوسي لم يكن آنذاك قد لفت إليه الانظار خارج دائرة قراء الفرنسية. وهكذا كان على جمهور القراء العالمي ان ينتظر أكثر من ربع قرن لكي يتعرف على هذا العمل المميز.
تدور أحداث الرواية على مسرحين: المسرح الافريقي حيث تتابع الايام الأخيرة من حياة الطوارق أو الرجال الزرق كما يعرفون محلياً وهم يزاحون عن أراضي أجدادهم في الشمال الافريقي على يد جيش الاستعمار الفرنسي وبفعل النظام الجديد , والمسرح الفرنسي حيث تتجسد معاناة الجيل الاخير من ابناء الطوارق الذي توزع على المنافي في أحياء الصفيح في مدن مثل طنجة ومارسيليا
في الرواية شخصيتان مركزيتان هما نور الصبي الطوارقي وهو يهاجر شمالاً عبرالصحراء الغربية ضمن قافلة من عشائر البربر البدوية, و لاللا اليتيمة الطوارقية الحالمة التي تشق طريقها بنجاح في فرنسا التي هاجرت إليها. كما تضم الرواية شخصيات ثانوية تحتفظ لها بحضور مؤثر مثل شخصية الشيخ ماء العينين, تلك الشخصية التاريخية التي يبجلها أبناء القبائل ويخشاها الفرنسيون. إضافة إلى مخلوقات تكاد تكون سحرية مثل حرتاني راعي البغال الذي يستطيع محاورة الحيوانات و نعمان الصياد العجوز الممتلئ بالحكايا العجيبة, والصبي الغجري راديش الذي يتدرب على اللصوصية في شوارع مارسيليا.
لكن الحضور الذي يهيمن على الرواية هو حضور الصحراء. فهذه الارض التي يستجلبها لوكليزيو بصخورها الوعرة وحرارتها الحارقة ومتاهات كثبانها وتموجات فضائها المفتوح ليست مجرد مكان أو مسرح للاحداث. إنما هي مملكة للوجود ومصدر له بقدر ما هي أيضاً, بـ سرمديتها و تغلغلها في أجساد الرجال, حالة ذهنية.
تسير الرواية متأنية على إيقاع بطيء متتبعة المسير المضني للقافلة التي تعبر الصحراء الغربية. وما كان لها ان تحقق هذا النجاح في نقل معاناة المرتحلين لولا اسلوب لوكليزيو التفصيلي وتكراره لصور السماء والطيور والريح والضياء ولولا نثره المردد الذي يريد منه أن يحيط بالموضوع ويتشبع به كما تفعل الموسيقى. هنا, التكرار مقصود, ومموسق, والاستعارات وسيلة للاغناء والتأمل. يخرج الرجال إلى الصحراء, مثلهم كمثل السفن في البحر, لا أحد يعرف متى
في هذه الرواية, يكتب لوكليزيو عن أناس ملتصقين بالارض والبحر, منهما تأتي حكاياتهم, ومنهما يستمدون وجودهم. لكنه, وعلى صعيد آخر, يكتب عن ملحمة الطبيعة الخارقة. تعرف لوكريزيو على الطرق الصوفية, ومنها أخذ مذهب وحدة الوجود الذي يدين به. وفي هذه الرواية, كما في غيرها من أعماله, يركز على العلاقة التي تربط ما بين الارض وسائر مخلوقاتها من بشر وحيوان ونبات. إنها الدرس الذي يتلقاه القارئ من نور واكثر منه من لاللا التي تعيش في عالم أسلافها الروحاني وتقتات على رؤى الرياح المدومة والرمال السافية وعلى اتصالها بـ السر , روح المحارب الازرق, ذلك الطيف القادم من البعيد. تنسب لاللا النجاح الذي تحقق لها عند تحولها إلى عارضة أزياء عالمية عرفت باسم حواء إلى تلك الذخيرة الروحية التي ورثتها عن أسلافها الطوارق. لكنها تتخلى عن نجاحها لتعود إلى مسكنها القديم في طنجة وتنجب مولودها هناك.
يقال عن لوكليزيو أنه كاتب صعب يستعصي على التصنيف. أما هو فيعتبر ذلك من لوازم الرواية والروائي. تحمل أعماله, التي تزيد على أربعين مؤلفاً, أثر جذوره المختلطة وتقلبه في شتى الاصقاع. فقد ولد في فرنسا في عائلة عاش اجيالها المتعاقبون في جزيرة موريشيوس في المحيط الهندي. ونشأ على الاحساس بأن وطنه كائن في مكان آخر. ولعل تنقله اللاحق في افريقيا وأمريكا اللاتينية كان بحثاً عن ذلك الوطن. وجاء زواجه بـ جمعية الكاتبة المتحدرة من قبيلة العروسيين الرحالة في الصحراء الغربية ليحكم ارتباطه بالصحراء الافريقية وابنائها وهو ارتباط محبة ومصاهرة إذا جاز التعبير. وقد شاركته جمعية في وضع كتاب أهل الغيم الذي يروي رحلة الزوجين إلى الساقية الحمراء بالصحراء الغربية حيث تعيش قبيلة العروسيين. والكتاب متابعة شاعرية لحياة أهل الريح الذين يقطعون الصحراء اقتفاء للمطر. كما ان أثر تلك الرحلة ظاهر بوضوح في رواية صحراء.
أعمال لوكليزيو صادرة عن تجربة مباشرة مثلما هي صادرة عن قناعة مبدئية. وكما كانت الحال مع ألبير كامو الذي أحب الجزائر التي عاش فيها وعاش تناقض الولاء لثورتها مع الولاء لوطنه الأم فرنسا, يكتب لو كليزيو عن التجربة وعن ما يسميه تناقض التجربة مستشهداً بمعضلة كامو في الاختيار ما بين قضية الاستقلال الجزائري وحبه لوطنه الفرنسي.
استمد لو كليزيو تعاطفه الشديد مع أبناء العالم الثالث وقضاياهم من ملحمة حرب التحرير الجزائرية وما رافقها من مآس وعذابات ومن معايشته للتجربة النيجيرية ومن السنوات الاربع التي قضاها مع هنود الأمبيراس الحمر في غابات بنما. وتبلور ذلك الرصيد لديه في انحياز لابناء الثقافات المحلية واحترام لمعتقداتهم وأسلوبهم في العيش وهو ما يتجلى واضحاً في رواية صحراء التي تمجد الرجال الزرق وصحراءهم.
لدى لوكليزيو شيء من المبشر وشيء من الثوري. وفي سعيه لتعقب الاثار المدمرة للتراث الاستعماري حاول لوكليزيو التحررمن قيود اللغة والسرد ليصور عالماً أوسع و إنسانية قائمة وراء وتحت المدنية المهيمنة كما جاء في كتاب منحه جائزة نوبل. فوراء المبشر بالمذهب الطبيعي ووحدة الوجود, هناك المنتقد الناقم على الحضارة الغربية المعاصرة واسقاطاتها, الكاشف عن الصدام بين الطبيعة والمدينة, والنادم على الانفصام الذي فرق ما بين الانسان والاسطورة. في رواية صحراء يتفجر غضب عات في تصوير الكاتب للحياة السفلية في مارسيليا وظروف جحافل الضائعين الذين طوح بهم الفقر إلى فرنسا, أولئك الذين لا وجود لهم لأنهم لا يتركون وراءهم أي أثر.
لوكليزيو الذي يحمل الجنسيتين الفرنسية والموريشيوسية ويقضي معظم أيامه في نيومكسيكو, يعتبر نفسه منفياً هو الآخر ويقول أنه اختار من أول كتاباته الانحياز إلى الانسان
مقطع من الفصل الاول لرواية "صحراء"
الساقية الحمراء, شتاء عام 1909 -
وكما لو كانوا حلماً, يلوحون في أعلى الكثيب نصف مغيبين في سحابة الغبار الذي تثيره أقدامهم. على مهل يشقون طريقهم نزولاً إلى الوادي مقتفين الأثر الذي لا يكاد يرى. في مقدمة القافلة يسير الرجال ملتفعين عباءاتهم الصوفية ووجوههم مقنعة باللثام الازرق. ويسير معهم بعيران أو ثلاثة تتبعها الخراف والمعيز يسوقها الصبيان إلى أمام. في النهاية تأتي النساء, كتل ضخمة تدب تحت عباءاتها الثقيلة وقد اكتسبت جباههن وأذرعهن لوناً أغمق بفعل قماش النيلة الذي يرتدينه.
ما كان هناك من شيء آخر عداهم في الأرض, لا شيء, لا أحد. ولدوا من الصحراء, ولا طريق آخر أمامهم. لا يقولون شيئاً. لا يريدون شيئاً. كانت الريح تهب عليهم, ومن خلالهم, كما لو ان لا أحد على الكثبان. يسيرون منذ انبثاق الفجر بلا توقف, يخيم العطش والانهاك عليهم مثل غيمة من رصاص. شفاههم وألسنتهم المتشققة تجلدت واخشوشنت. فيما الجوع يقرض احشاءهم. ما كان بوسعهم الكلام. ظلوا طويلاً صامتين كالصحراء, مشبعين بنور الشمس الحارقة في كبد سماء خالية, ومتجمدين برداً مع الليل ونجومه الساكنة.
يعرف الرجال أين يضعون أقدامهم دون الاستعانة بالنظر. كما لو انهم يسلكون ممرات غير مرئية تأخذهم إلى أقاصي العزلة, إلى الليل.
أنهم رجال الرمل ونساؤه. أبناء الريح والضياء والليل. لاحوا كالحلم في أعلى الكثيب, كما لو أنهم ولدوا من سماء خالية من الغيم يحملون في جوانحهم وعورة الخلاء. حملوا معهم الجوع, وظمأ شفاههم النازفة, والصمت الصواني للشمس الساطعة, وبرد الليالي, ووهج درب التبانة, والقمر, تسير معهم ظلالهم المتطاولة عند الغروب, وتموجات الرمال العذراء التي تدوسها أقدامهم المفرطحة, والأفق بعيد المنال. وحملوا معهم, أكثر ما حملوا, تلك النظرة التي تبرق لامعة في حدقات العيون
كانوا قد غادروا منذ أسابيع وشهور منتقلين من بئر لأخرى, عابرين مجاري سيول جافة ضاعت في الرمال, سائرين في البطاح, متسلقين التلال الصخرية. في المساء, عندما تلامس الشمس خط الأفق, وتمتد ظلال الاحراش على الارض, يتوقف الرجال والماشية عن المسير. ينزل الرجال أحمال الجمال وينصبون بيوت الشعر. وتوقد النساء النار ويقمن باعداد الطعام من الدخن واللبن الرائب والزبد والتمر. يحل الليل سريعاً, وتبسط السماء الباردة خيمتها على الارض المظلمة. عندها تظهر النجوم, آلاف النجوم المعلقة بسكون في الفضاء.
العديد العديد من النجوم. امتلأت سماء الصحراء بتلك الشرارات الوامضة مع هبوب النسمات وغدوها. إنها أرض سرمدية, أرض خارج تاريخ الانسان, حيث لا يخلق فيها شيء ولا يموت, كما لو أنها خارج كل الاراضي, عند ذروة الوجود. يراقب الرجال النجوم. قليلاً ما يتحدثون. يدخنون "الكيف" ويروي بعضهم لبعض حكايات الاسفار وأخبار الحرب مع النصارى, ثم ينصتون لليل.
مضت عليهم في مسيرهم هذا شهور وربما سنوات. يتبعون دروب السماء على الارض الرملية, الدروب القادمة من درعا وتمغروت ومن عرق اغويدي ومن الشمال البعيد, دروب عدت عطا والغريز القادمة من تفيليلت التي تربط " القصور" الكبرى عند أقدام جبال الأطلس أو الدرب اللامتناهي الذي يخترق قلب الصحراء باتجاه مدينة " تومبوكتو". على الدرب يموت البعض, ويولد البعض, ويتزوج البعض.
يبدو كأن لا أسماء هنا, لا كلمات. فقد كنست الصحراء برياحها كل شيء, ومحت كل شيء. يحمل الرجال حرية الفضاء في عيونهم, وتتصلب جلودهم كالمعادن. يسطع نور الشمس في كل مكان. يموج الرمل أبيض وأصفر وبرتقالياً وبنياً كاشفاً اتجاه الريح. يغطي كل الآثار وكل العظام. يصد الضياء, ويطرد الماء والحياة بعيداً إلى حيث لا يعلم أحد. يعرف الرجال ان لا شأن للصحراء بهم, فيغذون السير دون توقف سالكين ممرات سارت عليها أقدام غير أقدامهم سعياً إلى غايات غير غاياتهم.
لكنها الارض الحرة الوحيدة, وربما الأخيرة. أرض لا مكان فيها لقوانين البشر. أرض للصخر وللريح, وللعقارب والجرابيع, لمخلوقات تعرف كيف تختبئ وتهرب عندما تتوهج حرارة الشمس وتتجمد الليالي برداً.
** منشور بصحيفة "العرب اليوم" الأردنية 8 سبتمبر 2009
المصدر: موقع محيط
http://www.moheet.com/show_news.aspx?nid=298014&pg=12
شنان- أعروسي(ة) مبدع(ة)
-
عدد المساهمات : 141
رد: في صحراء لوكليزيو
السلام عليكم ورحمة الله تعلى وبركاته.
تحية احترام وتقدير للسد الاخ''شنان''.
كل الشكر والتقدير و الاثناء على هذا العمل المحمودة ثماره.وعلى هذه المعلومات القيمة والنادرة
والمرجو تعديل المقع الالكتروني الاخير.
شكرا
.
تحية احترام وتقدير للسد الاخ''شنان''.
كل الشكر والتقدير و الاثناء على هذا العمل المحمودة ثماره.وعلى هذه المعلومات القيمة والنادرة
والمرجو تعديل المقع الالكتروني الاخير.
شكرا
.
صباح سيدي علي- أعروسي(ة) وفي(ة)
- عدد المساهمات : 48
العمر : 38
الموقع : العيون
العمل/المهنة : طالبة بالموقع الجامعي الدار البيضاء
رد: في صحراء لوكليزيو
Biographie de Jean-Marie Gustave Le Clézio
Lauréat du prix Nobel de littérature en 2008, Jean-Marie Gustave Le Clézio est considéré comme l'un des plus grands représentants de la littérature française contemporaine. Ses racines, française, britannique et mauricienne, fondent son goût prononcé pour le voyage et l'univers singulier de ses écrits. Lui qui passe sa vie à côtoyer et à faire connaître des civilisations menacées, comme celles des Amérindiens ou des Berbères, ne cache pas sa révolte face à la violence et à la bêtise du monde occidental, comme en témoignent 'Le Procès-verbal' ou 'La Guerre'. En quête d'une harmonie et d'un équilibre retrouvés avec la nature, Le Clézio choisit d'explorer un monde apaisé et des contrées lointaines avec des romans tels que le très applaudi 'Désert', qui évoque le peuple touareg, ou 'Le Chercheur d'or', récit initiatique ayant pour cadre l'île Maurice. L'oeuvre de J.M.G. Le Clézio, véritable hymne à la beauté et au partage, s'impose comme une réflexion nécessaire sur notre culture et une ouverture bénéfique à l'autre.
Lauréat du prix Nobel de littérature en 2008, Jean-Marie Gustave Le Clézio est considéré comme l'un des plus grands représentants de la littérature française contemporaine. Ses racines, française, britannique et mauricienne, fondent son goût prononcé pour le voyage et l'univers singulier de ses écrits. Lui qui passe sa vie à côtoyer et à faire connaître des civilisations menacées, comme celles des Amérindiens ou des Berbères, ne cache pas sa révolte face à la violence et à la bêtise du monde occidental, comme en témoignent 'Le Procès-verbal' ou 'La Guerre'. En quête d'une harmonie et d'un équilibre retrouvés avec la nature, Le Clézio choisit d'explorer un monde apaisé et des contrées lointaines avec des romans tels que le très applaudi 'Désert', qui évoque le peuple touareg, ou 'Le Chercheur d'or', récit initiatique ayant pour cadre l'île Maurice. L'oeuvre de J.M.G. Le Clézio, véritable hymne à la beauté et au partage, s'impose comme une réflexion nécessaire sur notre culture et une ouverture bénéfique à l'autre.
ALISALEM sidi- أعروسي(ة) مهتم(ة)
- عدد المساهمات : 88
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى