طق کسزی ....للکاتب یوسف عزیزی بنی طرف
صفحة 1 من اصل 1
طق کسزی ....للکاتب یوسف عزیزی بنی طرف
واقفا على ضفاف دجلة انظر إلى صورتي في الماء . تتحرك أمواج هادئة من وسط النهر وتهز صورتي المرسومة على مياه دجلة الزرقاء .
في هذه الظهيرة يمكنك أن ترى حتى ظلال المباني الشاهقة في شارع الرشيد تهتز في المياه . سبق وأن أعلن الرشيد دعوته لكل القصصين في العالم ليحضروا ليلة من ألف ليلته .
سيكون الاحتفال هذه الليلة في القصر العباسي ببغداد ؛ إذ أكدوا لي هنا ، إن شهرزاد ستحضر الحفل أيضا وستكون عريفه . أذكر نفسي كي لا أنسى مقابلة الرشيد وبالضبط سيكون أول سؤالي عن سر قتله للنساء . ولو أنني أعرف الجواب مسبقا :" هذه رغبتي".
تشتد الأمواج وتكبر . صورتي تصاب بالخلل . الأمواج العظيمة والرهيبة تتبدل إلى كتب . أعرف منها كتاب " الطواسين" للحلاج وذلك من عنوانه الأحمر. أمد يدي في الماء كي أتناوله لكنني لم استطع . أصبح النهر – أينما ترى العين – كله كتب . بإمكاني الآن أن أرى على أغلفتها جروح كونتها حراب جيوش هولاكو المغولي . سبحان الله ، كل الأغلفة مثقوبة والثقوب تشبه حراشف السمك .
أحس بظل ثقيل ينهمر علي من وراء رأسي . الظل يحجب صورتي المهزوزة في الماء . لا أرى أثرا لصورتي في الماء . يقول لي الظل :
- دعنا نذهب . الحافلة ستصل بعد قليل .
الحافلة قد وصلت بالفعل في الموعد المحدد . لكنني لا أرغب أن أترك هذا النهر الهادر . أعرف أن الإصرار لا ينفع مع الظل ؛ ولهذا أطلب منه :
- أريد أن أزور ضريح شاعري المفضل وابن مدينتي . لكنه يرد علي بحسم :
- البرنامج المقرر لا يتغير ؛ بإمكانك أن تزور شارعا باسمه .
الحافلة تنتظرنا . كل الضيوف الإيرانيين سيجتمعون هنا . في شارع أبي نؤاس الأهوازي تغمرني الروائح : رائحة السمك المشوي و عرق التمر و رائحة الشعر والموسيقى العربية . اسمع ألحان ومقامات عراقية من أصفهان ونهاوند مرتين؛ مرة من المقاهي ومرة منعكسا صداها في المياه الهادرة .
نجلس أنا والظل في مطعم وننتظر سائر زملائي الإيرانيين . يصطادون لنا سمكتين طازجتين ويشوونهما حالا . الخبز حار والسمك حار. يجتمع الضيوف تدريجا . الكل يجلسون في الحافلة . يقول الظل للسائق وباللهجة البغدادية :
-نذهب الى طاق كسرى .
الحافلة تسير . نترك شارع أبي نؤاس وندخل ساحة التحرير ومن هناك إلى شارع الشيخ عمر . مرور مزدحم جدا . ياله من شارع ؛ تدبي السيارات كالنمل . أحد الضيوف الإيرانيين يقول لي :
- المرور في الشيخ عمر يشبه المرور في شارع الخيام في طهران .
الظل يخاطب السائق غاضبا ويقول له (بالعربية) :
- هذا الطريق لن يوصلنا إلى طاق كسرى .
أحد الضيوف الإيرانيين يسألني :
- ماذا يقول ؟
- يبدو أن السائق لا يعرف الطريق . فكأنما للوصول إلى ساحة "تجريش" في طهران تأخذك السيارة إلى شارع الخيام بدلا من شارع ولي العصر. هاهو حالنا الآن .
يضحك الإيرانيون . الظل ينزعج . نصف ساعة ونحن ندور حول أنفسنا في مركز العاصمة . يبدو أان السائق والظل لا يعرفان الطريق المؤدي إلى طاق كسرى . يرتبك الجميع .
آه يا دجلة . تندبني مرة أخرى ؛ تغمرني تغسلني وتنشفني بمنشفة من نور . كأنني لم أزل واقفا على ضفافها . لا أرى أثرا للكتب الممزقة . لكنني أرى حشود السمك خارجة رؤوسها من المياه ، محتجة على عملية شوي لحمها . يخرج أبو نؤاس الأهوازي ديوانه من جيب جبته ويقرأ قصيدة غزلية للأسماك . سرعان ما تصيبها النشوة وتنام شيئا فشيئا .
السائق يضغط على الفرامل ؛ أصحو من غفوتي . الحمدلله لم يحدث أي شيء .
الحافلة تتوقف بالقرب من موقف للحافلات في أحد الشوارع . الظل ينزل من السيارة حانقا . بعد لحظات يصعد ومعه شاب طويل وسيم ذوهندام متناسب ؛
"سلام عليكم" ،" عليكم السلام" يجلس الشاب إلى جانب الظل على الكرسي الأمامي . تسير بنا الحافلة مرة أخرى . الشاب يقول للظل :
- مقصدي قريب جدا من طاق كسرى .
أحد الضيوف يقول بالفارسية :
- ربنا رحيم ، أرسل لنا هذا الشاب ليرشدنا . ولولاه لتسكعنا في الشوارع حتى غروب الشمس .
يضحك الشاب البغدادي . يندهش الجميع . كأنهم يريدون أن يسألوا لماذا يضحك الشاب ؟ وبعد صمت وترقب انبرى الشاب قائلا بالفارسية :
- حالتان جطور است (كيف حالكم) ؟
- الفارسية ! كيف تعلمتها ؟ وفي أي مكان ؟
- في طهران
- طهران ! ماذا كنت تعمل ؟
- كنت في طهران لمدة عشر سنوات .
- لا تمزح ياشاب ، عشر سنوات ! ماذا كنت تعمل ؟
- كنت أسيرا .
حدق بنا الظل حيث لم يفهم الفارسية . كان حريصا أن يفهم ما نقول .
سألت الشاب بالفارسية :
- في أي معسكر قضيت فترة الاسر؟
- في معسكر "حشمتية " بطهران . عشر سنوات كاملة .
- كيف تعلمت الفارسية ؟
- في المعسكر ولا سيما في المستشفى . وقعت في الأسر وأنا جريح في جبهة " العمارة " ولزمت الفراش في مستشفى تجريش في شمال طهران لمدة شهرين . لا أصدق أنني أرى الإيرانيين مرة أخرى . مضت ثلاث سنوات من إطلاق سراحي. يالها من صدفة عجيبة ؟
يضحك الشاب ، ينظر إلى الظل ويقول له :
- لو كنت أعلم أنهم إيرانيين لما ركبت .
سأله أحد الإيرانيون بالفارسية :
- هل تعلمت شيئا في المعسكر ؟
- لا .
- كيف كنت تمضي أوقات الفراغ ؟
- كنت اقرأ الكتب و كانوا يأخذوننا كل يوم تقريبا للصلاة واللطم والعزاء على الإمام الحسين .
الحافلة تنحرف قليلا عن الطريق العام وتتوقف . تنكشف الآن القبب الذهبية حيث تتلألأ تحت أشعة شمس العراق الخريفية .
الشاب يخاطبنا وهو مودعا :
- انظروا ! هناك "سلمان باك" وفيه ضريح الصحابي سلمان الفارسي وبعده بخمسمائة متر طاق كسرى .
الشاب يسرع بخطواته في الطريق الترابي الضيق ويختفي كالظل في الغبار .
المصدر : مدونه بیت العرب
في هذه الظهيرة يمكنك أن ترى حتى ظلال المباني الشاهقة في شارع الرشيد تهتز في المياه . سبق وأن أعلن الرشيد دعوته لكل القصصين في العالم ليحضروا ليلة من ألف ليلته .
سيكون الاحتفال هذه الليلة في القصر العباسي ببغداد ؛ إذ أكدوا لي هنا ، إن شهرزاد ستحضر الحفل أيضا وستكون عريفه . أذكر نفسي كي لا أنسى مقابلة الرشيد وبالضبط سيكون أول سؤالي عن سر قتله للنساء . ولو أنني أعرف الجواب مسبقا :" هذه رغبتي".
تشتد الأمواج وتكبر . صورتي تصاب بالخلل . الأمواج العظيمة والرهيبة تتبدل إلى كتب . أعرف منها كتاب " الطواسين" للحلاج وذلك من عنوانه الأحمر. أمد يدي في الماء كي أتناوله لكنني لم استطع . أصبح النهر – أينما ترى العين – كله كتب . بإمكاني الآن أن أرى على أغلفتها جروح كونتها حراب جيوش هولاكو المغولي . سبحان الله ، كل الأغلفة مثقوبة والثقوب تشبه حراشف السمك .
أحس بظل ثقيل ينهمر علي من وراء رأسي . الظل يحجب صورتي المهزوزة في الماء . لا أرى أثرا لصورتي في الماء . يقول لي الظل :
- دعنا نذهب . الحافلة ستصل بعد قليل .
الحافلة قد وصلت بالفعل في الموعد المحدد . لكنني لا أرغب أن أترك هذا النهر الهادر . أعرف أن الإصرار لا ينفع مع الظل ؛ ولهذا أطلب منه :
- أريد أن أزور ضريح شاعري المفضل وابن مدينتي . لكنه يرد علي بحسم :
- البرنامج المقرر لا يتغير ؛ بإمكانك أن تزور شارعا باسمه .
الحافلة تنتظرنا . كل الضيوف الإيرانيين سيجتمعون هنا . في شارع أبي نؤاس الأهوازي تغمرني الروائح : رائحة السمك المشوي و عرق التمر و رائحة الشعر والموسيقى العربية . اسمع ألحان ومقامات عراقية من أصفهان ونهاوند مرتين؛ مرة من المقاهي ومرة منعكسا صداها في المياه الهادرة .
نجلس أنا والظل في مطعم وننتظر سائر زملائي الإيرانيين . يصطادون لنا سمكتين طازجتين ويشوونهما حالا . الخبز حار والسمك حار. يجتمع الضيوف تدريجا . الكل يجلسون في الحافلة . يقول الظل للسائق وباللهجة البغدادية :
-نذهب الى طاق كسرى .
الحافلة تسير . نترك شارع أبي نؤاس وندخل ساحة التحرير ومن هناك إلى شارع الشيخ عمر . مرور مزدحم جدا . ياله من شارع ؛ تدبي السيارات كالنمل . أحد الضيوف الإيرانيين يقول لي :
- المرور في الشيخ عمر يشبه المرور في شارع الخيام في طهران .
الظل يخاطب السائق غاضبا ويقول له (بالعربية) :
- هذا الطريق لن يوصلنا إلى طاق كسرى .
أحد الضيوف الإيرانيين يسألني :
- ماذا يقول ؟
- يبدو أن السائق لا يعرف الطريق . فكأنما للوصول إلى ساحة "تجريش" في طهران تأخذك السيارة إلى شارع الخيام بدلا من شارع ولي العصر. هاهو حالنا الآن .
يضحك الإيرانيون . الظل ينزعج . نصف ساعة ونحن ندور حول أنفسنا في مركز العاصمة . يبدو أان السائق والظل لا يعرفان الطريق المؤدي إلى طاق كسرى . يرتبك الجميع .
آه يا دجلة . تندبني مرة أخرى ؛ تغمرني تغسلني وتنشفني بمنشفة من نور . كأنني لم أزل واقفا على ضفافها . لا أرى أثرا للكتب الممزقة . لكنني أرى حشود السمك خارجة رؤوسها من المياه ، محتجة على عملية شوي لحمها . يخرج أبو نؤاس الأهوازي ديوانه من جيب جبته ويقرأ قصيدة غزلية للأسماك . سرعان ما تصيبها النشوة وتنام شيئا فشيئا .
السائق يضغط على الفرامل ؛ أصحو من غفوتي . الحمدلله لم يحدث أي شيء .
الحافلة تتوقف بالقرب من موقف للحافلات في أحد الشوارع . الظل ينزل من السيارة حانقا . بعد لحظات يصعد ومعه شاب طويل وسيم ذوهندام متناسب ؛
"سلام عليكم" ،" عليكم السلام" يجلس الشاب إلى جانب الظل على الكرسي الأمامي . تسير بنا الحافلة مرة أخرى . الشاب يقول للظل :
- مقصدي قريب جدا من طاق كسرى .
أحد الضيوف يقول بالفارسية :
- ربنا رحيم ، أرسل لنا هذا الشاب ليرشدنا . ولولاه لتسكعنا في الشوارع حتى غروب الشمس .
يضحك الشاب البغدادي . يندهش الجميع . كأنهم يريدون أن يسألوا لماذا يضحك الشاب ؟ وبعد صمت وترقب انبرى الشاب قائلا بالفارسية :
- حالتان جطور است (كيف حالكم) ؟
- الفارسية ! كيف تعلمتها ؟ وفي أي مكان ؟
- في طهران
- طهران ! ماذا كنت تعمل ؟
- كنت في طهران لمدة عشر سنوات .
- لا تمزح ياشاب ، عشر سنوات ! ماذا كنت تعمل ؟
- كنت أسيرا .
حدق بنا الظل حيث لم يفهم الفارسية . كان حريصا أن يفهم ما نقول .
سألت الشاب بالفارسية :
- في أي معسكر قضيت فترة الاسر؟
- في معسكر "حشمتية " بطهران . عشر سنوات كاملة .
- كيف تعلمت الفارسية ؟
- في المعسكر ولا سيما في المستشفى . وقعت في الأسر وأنا جريح في جبهة " العمارة " ولزمت الفراش في مستشفى تجريش في شمال طهران لمدة شهرين . لا أصدق أنني أرى الإيرانيين مرة أخرى . مضت ثلاث سنوات من إطلاق سراحي. يالها من صدفة عجيبة ؟
يضحك الشاب ، ينظر إلى الظل ويقول له :
- لو كنت أعلم أنهم إيرانيين لما ركبت .
سأله أحد الإيرانيون بالفارسية :
- هل تعلمت شيئا في المعسكر ؟
- لا .
- كيف كنت تمضي أوقات الفراغ ؟
- كنت اقرأ الكتب و كانوا يأخذوننا كل يوم تقريبا للصلاة واللطم والعزاء على الإمام الحسين .
الحافلة تنحرف قليلا عن الطريق العام وتتوقف . تنكشف الآن القبب الذهبية حيث تتلألأ تحت أشعة شمس العراق الخريفية .
الشاب يخاطبنا وهو مودعا :
- انظروا ! هناك "سلمان باك" وفيه ضريح الصحابي سلمان الفارسي وبعده بخمسمائة متر طاق كسرى .
الشاب يسرع بخطواته في الطريق الترابي الضيق ويختفي كالظل في الغبار .
المصدر : مدونه بیت العرب
ابراهیم ابن العروس- أعروسي(ة) مسيطر(ة)
- عدد المساهمات : 755
العمر : 58
الموقع : الاهواز
العمل/المهنة : مدرس تاریخ وجغرافیا
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى